يوم المؤمن وليلته - مقدمة 


يقول تعالى في سورة الملك ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً سورة الملك، آية 2.

عمر المؤمن رأس ماله، وما بين ميلاده وموته فرصة للعمل استعدادا للقاء ربه، لذلك عليه أن يعرف ما يتطلبه الوقت من عمل القلب واللسان والجوارح ويتحراه ويجتهد في القيام به حتى يقع موقعه من الموافقة للمقصود، ومن القبول عند الله عز وجل.

فما هي المقاصد إذا والغايات من “يوم المؤمن وليلته”؟ 
وكيف ينتظم يوم المؤمن وليلته؟ 
هل “يوم المؤمن وليلته” حد أدنى أم درجات تطلب؟ 
كيف إذا ضاقت الأوقات بالواجبات؟ 
وكيف التنعم بفترات يوم المؤمن وليلته؟

👈- المقاصد والغايات من “يوم المؤمن وليلته

خمسة مقاصد وغايات ترتقي بالمؤمن في مدارج الإيمان والإحسان، يكمل بعضها بعضا:

1. أن يمسك المؤمن زمام نفسه عن التسيب في الأوقات، أو إنفاقها في ما لا ينفع نفسه أو غيره: 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ”.
2. أن يختار المؤمن صفوة الأعمال لصفوة الأوقات، فقد جاء في وصية أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين استخلفه: 
اعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار.
3. أن يخرج المؤمن من زمن العادة إلى زمن العبادة والجهاد، فترسخ قدمه في عبادة الله، قائما بين يديه لا يفتر، مجاهدا في سبيله لا يكل ولا يمل. 
قال عارف بالله : من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه.
4. أن يخرج المؤمن من ظلام الغفلة إلى نور اليقظة ويصبح عبدا ذاكرا لله. 
قال تعالى: الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك . سورة آل عمران، آية 191.
5. أن ينتقل المؤمن من أعمال الجوارح إلى أعمال القلب، ويربى على لزوم باب العبودية امتثالا حريصا دقيقا لأمر الله عز وجل، وحضورا قلبيا عند ذكره، ووقوفا دائما بالباب وتذللا بين يدي رب الأرباب. 
يقول يقول الإمام عبد السلام ياسين: إن المؤمن ليدرك بعمل القلب ما لا يدركه بعمل الجوارح.
6. أن ينجمع المؤمن على الله، ويستحضر ربه في كل أحيانه وأحواله، ويكون مع الله ولله وبالله، فيصير بإذن الله مستودعا لأسرار الله وأنواره. 
قال عارف بالله: أن تكون على حال من يشهد ما منه إلى الله، فتصبح على حال من يشهد ما من الله إليه، ثم تصير على حال من يشهد ما من الله إلى الله.

👈- كيف ينتظم يوم المؤمن وليلته

يوم المؤمن وليلته منظومة حياة تخفف وطأة التجاذب بين الواجبات، وتنظم الأعمال بين الأوقات بانسياب ييسر الله به للمؤمن الاهتمام بلب الأمور وجوهرها، فتتعود النفس إسلاس القياد بإذن ربها.

ستة اهتمامات تنظم أوقات المؤمن في اليوم والليلة:
1. أوقات المهنة والمدرسة والأسرة والشغل والتحصيل العلمي.
2. وأوقات للتقرب إلى الله عز وجل بالفرض والنفل، ابتداء بإقامة الصلاة المفروضة في الجماعة وفي المسجد، رأس الأمر وعماد الدين، وصلاة الليل الأشد وطأ والأقوم قيلا، ورواتب الصلاة ونفلها.
3. وأوقات لتلاوة القرآن الكريم وحفظه ليرفع الله به الدرجات، وإكثار من ذكر “لا إله إلا الله” يجدد الله بها الإيمان، وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الله بها من الظلمات إلى النور، فضلا عن الاستغفار والتسبيح.
4. وقت لحضور مجالس الذكر والإيمان، حيث يتملق العبيد لله ويرتعون في رياض الله، ويحصل فيها التجالس في الله، والتزاور فيه، والتحاب فيه، والتباذل فيه والتناصح فيه، والتصافي.
5. وأوقات للدعوة إلى الله والجهاد في سبيله سبحانه وتعالى، يهدي بها الله على يدك رجالا تجدهم ذخرا لك يوم القيامة، وتتخللها صحبة للمؤمنين، وجهاد في صفهم، وصبر للنفس معهم، وذلة عليهم، وخدمة لهم، وأدب معهم، ودعاء لهم، حتى يقوي الله صف الدعوة ويحقق به موعوده.
6. وأوقات للدعاء مخ العبادة، وقرب العبد من مولاه عز وجل، تصحب المؤمن طيلة يومه وليله، دعاء المسألة ودعاء العبادة الذي يشمل جميع القربات الظاهرة والباطنة. 
قال عليه الصلاة والسلام : “ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء”. ويقول يقول الإمام عبد السلام ياسين : الدعوة دعاء.
وقد ازداد عقد “يوم المؤمن وليلته” توهجا وإشراقا بجواهر نفيسة في ظل الصحبة المباركة هي تلاوة السور والآيات الفاضلة و سويعة للتفقه الفردي في الدين، ثم ثالثة الأثافي دعاء الرابطة بروحه وتفصيله.
وينبغي أن تواكب برنامج “يوم المؤمن وليلته” محاسبة للنفس و تجديد للتوبة ومناجاة لله على الدوام، رجاء أن يفتح للمؤمن أبواب الجهاد والوصول إليه، ثم نوم على ذكر الله وعلى أفضل العزائم. كما يلزم البرنامج اقتصاد وضبط للوقت، و ترشيد للأعمال والجهود وضبط للمواعيد والالتزامات.

👈- “يوم المؤمن وليلته” حد أدنى أم درجات تطلب؟

إنها درجات تطلب. فعظم الأمور يقاس بمقاصدها. وعلى قدر شوقك تنال. “يوم المؤمن وليلته” سلوك يومي إلى الله. فإن كانت أوقاته محدودة، فعطاءات الله فيه على الدوام ممدودة. إذ على المؤمن أن يأتيه بهمة الإكثار، وحال الاستحضار، ثم ينتظر عطاء الملك الغفار، بخوف ورجاء وذل وافتقار.

👈- ولكن كيف إذا ضاقت الأوقات بالواجبات؟

يقول الإمام عبد السلام ياسين : أول الواجبات للطالب، بعد الصلاة والتلاوة والذكر وتحصيل الحد الأدنى من العلم، أن ينجح في دراسته ويتفوق، فذلك جهاد مرحلته. وقياسا على هذا الأمر، فإن نجاح المربي والمعلم والداعي إلى الله والمنافح عن الحق في سعيهم من أول واجباتهم بعد الصلاة و التلاوة والذكر.
والله نرجو أن يبسط ويقبض، ويطوي وينشر، ويجمع همَّ المؤمن، فيثمر العملُ بفضله سبحانه وتعالى، بقليل الوقت والجهد، أفضل الثمار.
غير أنه لابد من شروط لكي لا يفوِّت ضيقُ الأوقات وكثرة الواجبات على المؤمن فضائلَ العمل بيوم المؤمن وليلته. وذلك أن يبتغي بعمله، سواء كان من هم الدنيا أو هم الدعوة، رضى الله والدار الآخرة، ويلتزم شرع الله فيه. وأن يحافظ على الصلاة في وقتها، كيف لا وهو محتاج لمناجاة ربه وقربه منه وسؤاله قضاء حاجاته. كما لا ينبغي أن تفوته سويعة الليل للقيام بين يدي الله، فهي زاده في نهاره. وتبقى الحرقة والشوق والحنين مطيته لتدارك ما فاته من فضائل الأعمال. كل ذلك و لسانه وجنانه لا يفتران عن ذكر الله ليكون حاضرا مع الله وهو في معمعة انشغاله الدنيوي أو الدعوي. يقول يقول الإمام عبد السلام ياسين : واعلم أن الوقت الذي تندم عليه ولات ساعة ندم هو وقت لم تذكر فيه الله تعالى باللسان و القلب و الجهاد لنصرة دينه.

👈- التنعم بفترات يوم المؤمن وليلته

عش كل فترة من فترات يوم المؤمن وليلته متنعما بخيراتها وبركاتها، متلمسا أنوارها وأسرارها، مستشعرا فضل الله عليك، وراجيا مزيدا من عطائه. ولا تأت عملا من يوم المؤمن وليلته بحال المستعجل الانتهاءَ للتفرغ للمشاغل الأخرى، فتحرم خيراتها وبركاتها، وينقضي عمرك وأنت تبحث عن السعادة ولحظات الأنس التي لا تأتي.

وإن شابك ضيق أو كدر، فاعلم أنه ما حرمك إلا ليعطيك