الصلاة - تعريفها - مشروعيتها - فضلها 

 1 - تعريف الصَلاة
 2 - حكمُ الصَّلاة ومَكانتها
 3 - تاريخُ فرضِ الصَّلاة وكيف كانت 
 4 - حكمةٌ مَشروعيَّة الصَّلاة


🌟 1 - تعريف الصَلاة 

تَأتي كلمةُ الصَّلاة لغة بعدِّة مَعانٍ؛ 

أ - منها الدُّعاء كما في الحَديث الشَّريف:
( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صَائِمًا، فَلْيُصَلِّ ) ، أي: ليقُم بالدُّعاء لهم.

 

ب - أمَّا إذا جَاءت كلمةُ الصَّلاة مَقرونةً بالله - سُبحانه وتعالى- أو بالملائِكة، فعندها تَكون بمعنى الرَّحمة من الله - سُبحانه وتعالى- واستِغفار الملائِكة، كما في قوله -تعَالى-: 
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ... ).

 

ت - وتأتي كلمةُ الصَّلاة أيضاً بمعنى الثَّناء والمَدح، كما في قوله -تعالى-: 
( أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ).

وأمَّا في الاصطِلاح، 

فتُعرَّف الصَّلاة على أنَّها: 
أقوالٌ وأفعالٌ مخصُوصة، 
- تُفتتحُ بالتَّكبير، 
- وتُختتم بالتَّسليم. 

🌟 2 - حكمُ الصَّلاة و مكانتها  وحكمتها 

حكمُ فرضية الصلاة في الإسلام 

حُكم الصَّلوات الخَمس في الإسلام وهي: 
صلاة الفجر، والظُهر، والعَصر، والمغرب ، والعِشاء - 
الوُجوب على كلِّ مسلمٍ ومُسلمة، 

 

وذلك الوُجوب لا ينفكُّ عنها مهما كان حالُ المُكلَّف بها؛ ولكن قد يَطرأ بعضُ التَّغيرات على هَيئتِها وعَددها في بعض الحالات كالسَّفر أو المَرضِ أو الخَوف.
 
ولكنَّها لا تسقُط عن المُكلَّف سُقوطاً تامَّاً ما دام مَناط التَّكليفِ قائماً؛ ألا وهو العَقل.

مكانة الصلاة في الإسلام 

تُعدُّ الصَّلاة آكد وأهمّ الفُروض والواجبات في الإسلام بعد الشَّهادتين، وواحدةٌ من أركانِ الإسلامِ الخَمسة؛

 

قال الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: 
( بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ )

والصلاة أولى العِبادات التي فَرضها الله - سُبحانه وتعالى- على عِباده وقد أمر الله - تعالى- بها من فوق سبع سماواتٍ حيثُ سدرة المنتهى، وما ذلك إلّا لعظيم مكانتها وأهميتها عند الله - تعالى-، 
فكان فرضها في ليلة الإسراء والمعراج ليستشعر المسلمون منزلتها العظيمة عند الله،

ولذلك تُعدَّ الصَّلاة في الإسلام واحدةٌ من أهمِّ العِبادات على الإطلاق، ولها مكانةٌ مُمَّيزةٌ تكادُ تَنفرد بها عن بَاقي العبادات؛ 
فَالصلاة عِماد الدِّين وقَوامُه الذي لا يقوم إلا به. 
ففي الحَديث الشَّريف يَقول الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم-: 
( رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ )، 

 

فالصلاة أوَّل ما يُحاسب عليه العَبد يوم القيامة. كما قال الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: 
إنَّ أولَ ما يُحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أَفْلَحَ وأَنْجَح، وإن فَسَدَتْ فقد خاب وخَسِرَ ).

 

وقد قَرَن الله -تعالى- في غير موضعٍ من القرآن الكريم الصلاةَ باستقامة الخُلُق، فقال: 
( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).

 

فالصلاة تَبني وتُقّوِّم الوازع الأخلاقي وجوانب عديدةٍ أُخرى، منها الجانب الفكري؛ حيث تَحُثُّ المُسلمَ على التفكُّر والتدبُّر في خلق الله -تعالى-. 
فيكون لها التأثير الايجابي الواضح على الفرد والمجتمع , اذ تحُثُّ الصَّلاة على ترك الفَحشاء والمُنكر، وفي هذا التَّرابط بين أداء الصَّلاة والابتعاد عن المُنكرات دليلٌ واضحٌ على أهمِّيتها.


 -  حكمةٌ مَشروعيَّة الصَّلاة 

فُرضت الصَّلاة لحكمٍ عديدة وفوائدَ عظيمة، وفيما يأتي ذكر بعضها:

 

- تُمثِّلُ الصَّلاة صِلة العبد بربِّه، فهي الوَسيلة التي يَتواصلُ فيها العبد بربّه ليشكو إليه بثَّه وما أهمَّه، وليُناجي ربَّه - سبحانه وتعالى-، فينشرِح بذلك صَدره، ويطمئنُّ قلبُه. 

 

- الصَّلاة نُورٌ يَهدي به الله -سُبحانه وتعالى- عباده إلى البرِّ والحقِّ، ويَنهاهُم عن الفَحشاء والمُنكر والمَعاصي. 

 

- الصَّلاة من العبادات البدنية؛ لِما فيها من القِيام، والرُّكوع، والسُّجود، وغيرها من هيئات الصَّلاة المعروفة، بالإضافة إلى أنّها عبادة قلبيّة؛ يتمُّ من خَلال تَعظيم الله -سُبحانه وتعالى-، وتوقِيره، وشُكره، وحَمده، والتَّذلُّلِ له. 

 

- أداء الصَّلاة تَمرين للعبد على الانقياد لله -سُبحانه وتعالى- وتنفيذ أوامره؛ حيث إنَّ الصَّلاة ركنٌ من أركان الإسلام الخَمسة، والتي أُمر بأدائها المٌكلَّف، ليكون بذلك عبداً لله -سُبحانه وتعالى- لا عبداً لأهوائهِ وشَهواته. 

 

- الصَّلاة بابٌ عظيمٌ لتكفير السَّيئات؛ فقد جاء في الحديث الشريف: ( أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فيه كُلَّ يَومٍ خَمْسًا، ما تَقُولُ ذلكَ يُبْقِي مِن دَرَنِهِ؟ قالوا: لا يُبْقِي مِن دَرَنِهِ شيئًا، قالَ: فَذلكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا ). 

 

- الصَّلاة سببٌ لدٌخول الجنَّة، فعن ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: 
كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ ).

 

- الصَّلاة من أجلِّ العبادات وأعظَمها، وتتَضمَّن أهم المَسائل التي قد يَسألها العبد لربِّه -جلّ وعلا-، من طلب الهدايةِ، والحمد، والثناء، والتضرُّع. 

وقد أثنى الله -عزّ وجلّ - في كتابه الكريم على عباده الحريصين عليها، الآمرين غيرهم بها، قال -تعالى-:  
( وَاذكُر فِي الكِتابِ إِسماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا* وَكانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا  
وذمّ الله تاركيها والمتثاقلين عنها، فقال -تعالى-:  
فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا ) 

وآخرُ ما يُفقد من الدِّين بالنسبة للأمة السائرة نحو الانحدار- الصلاة -؛ فإن ضَاعت ضاع الدِّين كلُّه، وهذا إن دلَّ على شيءٍ، فهو يدُلُّ على المَكانة العظيمة للصَّلاة في المجتمع الإسلامي.
فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 
لَتُنتَقَضَنَّ عُرَى الإسلامِ عُروةً عُروةً فكلَّما انتُقِضَتْ عُروةٌ تشبَّث النَّاسُ بالَّتي تليها فأوَّلُهنَّ نقضًا: الحُكمُ وآخِرُهنَّ: الصَّلاةُ ).

ومن ثم , ولأهميتها و مكانتها كانت الصلاة آخِر وصَايا الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى عندما قال: 
الصَّلاةَ وما ملكت أيمانُكم، الصَّلاةَ وما مَلَكت أيمانُكم ).

🌟 3 -  تاريخُ فرضِ الصَّلاة وكيف كانت 

تاريخُ فرضِ الصَّلاة

فُرضَت الصَّلاة كما أسلفنا على الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ليلة الإسراء؛ 
فقد رَوى أنس بن مالك -رضي الله عنه-: 
فُرِضَتْ عَلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ليلةَ أُسرِيَ بِه الصَّلواتُ خَمسينَ، ثُمَّ نَقصَتْ حتَّى جُعِلَتْ خَمسًا، ثُمَّ نودِيَ: يا محمَّدُ: إنَّهُ لا يُبَدَّلُ القولُ لديَّ، وإنَّ لَكَ بِهذِهِ الخمسِ خَمسينَ )، 
وقد فُرضت الصَّلاة عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالتَّحديد في المِعراج ليلة الإسراء؛ أي عندما صَعد النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى السَّماء. وقد تميَّزت الصَّلاة بطريقَة فرضيَّتها عن باقي العِبادات؛ إذ إنَّها فُرضت في السَّماء لا في الأرض، وبعد أن التقى النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالأنبياء في السَّموات السَّبع، وبعد أن غُسّل قلبُ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بماء زَمزم، كأنَّ في ذلك إشارة إلى ما يسِبق الصَّلاة من الطَهارة. كما أنَّ الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - خلال عُروجه إلى السَّماء رأى المَلائكة وهم في حَال التَّعبُّد؛ فمنهم القائِم لا يفتر، ومنهم الراكعَ لا يفتر، ومنهم السَّاجد لا يفتر، فجُمعت أصَناف هذه العَبادات جَميعها في هيئة الصَّلاة التي فُرضت عليه في أثناء هذه الرِّحلة المُقدَّسة. 
ويَجدر الإشارة إلى أنَّ الصَّلاة فُرضت من قبل الله - سُبحانه وتعالى- على نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مباشرةً؛ أي بدون واسطة، فدلَّ كلُ ذلك على أن هذا الامر أمر جلل وأن للصَّلاة مكانَة عظيمة، متفرُّدة عن باقي العِبادات في الإسلام . 


كيف كانت الصَّلاة أوَّل البِعثة 

من رحمته سبحانه أن جعل التَّشريع في الإسلام يَمتاز بمُميِّزاتٍ عديدة؛ ولعلَّ أبرَزها واقعيَّته وصَلاحيته لكل زمانٍ ومكانٍ. 
وممَّا جعله مميّزاً في ذلك مَبادئ عديدة، منها التَّدرُج في التَشريع؛ حيث جَاء التَشريعُ في بعض العبادات بصورةٍ مُعيَّنة لتُناسب أَحوال النَّاس وظُروفهم، أو لِرفع الحَرج عنهم، 
وذلك مُراعاةً للطَّبيعة البشريِّة، ولِتهيئة النُّفوس على استقبال الأمر , وبعدها يتمَّ الانتقال إلى الصُّورة النَّهائيَّة من العِبادة. 
ومن هذه العِبادات التي تمَّ تَشريعها بالتَدريج عبادة الصَّلاة؛ حيث إنَّ الصَّلاة فُرِضت في بادئ الأمر على شَكل صَلاتين اثنتين فقط؛ واحدةٌ في الغُدوّ وواحدةٌ في العَشيّ، وفي كل صَّلاة منها رَكعتان، واستمرّ هذا الشَّكل حتى نهاية العام العَاشر للبِعثة. وبعدها فُرضت الصَّلاة بَشكلها النِّهائي والدَّائم كما هي الآن؛ خَمسُ صَلوات في اليومِ والليلة.
فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- قالَتْ: 
( فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، في الحَضَرِ والسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وزِيدَ في صَلَاةِ الحَضَرِ ). 
ويُعدُّ هذا الأسلوب في التَّدرُج واحدٌ من الأُسس التَربويَّة والتي تَقوم على الابتداء بالأسهل ثم الانتقال إلى الأصعب، لضمان الاستمرار في التطبيق على المدى البعيد.

أول صلاة صلاها النبي 

بدأ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أداء فريضة الصَّلاة في اليوم الذي تَلا ليلَة الإسراء؛ أي بعد أن فُرضت عليه الصَّلاة، وكانت أولَ صَلاةٍ قام الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأدائِها صَلاة الظّهر، وقد أمَّهٌ جبريل بها، ولذلك تُسمَّى صلاة الظُهر بالصَّلاة الأولى؛ لأنَّها كانت أوَّل صَلاة صلاَّها جبريل بالنَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
وتجدُر الإشارة إلى أنَّ صلاة الفَجر ليست الصلاة الأولى التي أدّاها النبيّ؛ وذلك لأنَّ افتراض الصَّلاة والتَّكليف بأدائِها يَحتاج إلى بيان لمَعرفة كيفيَّة تطبيقها؛ ولم يكن هذا حاصلاً في صلاة الفَجر، ولا يُطالب المُكلَّف بالعبادة قبل بَيانها. وأمَّا بعد البيان فُيطالب بأدائها، وهذا ما حصل في صَلاة الظهر؛ حيث قام جبريل بتعليم النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأوقاتَ الخاصَّة بكل صَلاة وكيفيَّتها وأمَّه بصلاة الظهر، فكانت بذلك أولَ صلاة تُؤدّى بعدَ البيان.

 

🌟 4 حكم ترك الصلاة المفروضة 

فِيما يتعلَّق بِحكم تَرك الصَّلاة في الإسلام؛ فيأتي الحُكم مُتناسباً مع الأهميةِ الكبيرة لهذه العبادة الجليلة في حيات المسلم والامة.
فيُعدُّ تاركُها جحوداً بها وبفرضيّتها كافراً وخارجاً عن المِّلة بإجمَاع المُسلمين؛ قال الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -: 
( إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ ). 
 - ويجدر بالذكر أنّ الجحود في اللغة يُعرّف بأنّه إنكار الشيء مع العلم بصحّته، وجاحد الصلاة هو الذي ينكرها ولا يعترف بها وبفرضيّتها. 
- أما من تركها جحوداً بها مع كونه حديث عهدٍ في الإسلام، أو لم يسمع عنها من قبل، فإنه يُعذر بجهله ويُعرّف بها، 
ولِخطورة تركها شدَّد الله - سُبحانه وتعالى - في خطاب الإنكار على من يَقوم بترك أدائها، فقال -سُبحانه وتعالى-: 
( فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا ).