بنو اسرائيل 

أي نسخ التوراة هي كلام الله ؟ 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبل الدخول في صلب الموضوع لابد من توضيح ما يلي :
☀ - المصطلحات:
👈اليهودية - في الأصل - هي ديانة سماوية، وهي ديانة العبرانيين المنحدرين من سلالة إبراهيم عليه السلام، والمعروفين بالأسباط من بني إسرائيل الذين أرسل الله إليهم موسى بن عمران عليه السلام مؤيداً بالتوراة، واليهودية ديانة يبدو أنها منسوبة إلى يهوذا، أحد الأسباط أبناء يعقوب عليه السلام، وعممت على الشعب على سبيل التغليب، وقيل غير ذلك.
وقد نشأت اليهودية نشأة صحيحة، ولكنها سرعان ما سارت في الاتجاه المعاكس، فبدل اليهود وحرفوا أجزاء وكتموا أجزاء من الكتاب المنزل عليهم.
👈الماسونية فمعناها لغة: البناؤون الأحرار، وهي في الاصطلاح: منظمة يهودية سرية هدامة، محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم، وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد، وتتستر تحت شعارات خدّاعة (حرية - إخاء - مساواة - إنسانية)، وجلّ أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم، ويقيمون ما يسمى بالمحافل للتجمع والتخطيط والتكليف بالمهام، تمهيداً لتأسيس جمهورية ديموقراطية عالمية - لا دينية عالمية.
👈الصهيونية : حركة سياسية عنصرية، ترمي إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين - وقد تحقق لها ذلك - وتريد أن تحكم من خلال هذه الدولة العالم كله، واشتقت الصهيونية من اسم (جبل صهيون) في القدس، حيث ابتنى داود قصره بعد انتقاله من حبرون (الخليل) إلى بيت المقدس في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وهذا الاسم يرمز إلى مملكة داود، وإعادة تشييد الهيكل المزعوم.
وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي (هرتزل) الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والمعاصر، والذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم. والله أعلم.

☀ - اختيار موضوع تاريخ اليهود جاء لسببين رئيسين

1- الدراسات عن اليهودية ناذرة أو محصورة عند أهل الاختصاص, وجمهور المسلمين يجهل الكثير عن اليهود أو عن النصارى وعن تايخهم.

2- تانيا لابد من معرفةهذه الفئة من البشر التي احتلت أراض المسلمين و أعلنت عداءها لهم - وهل هناك مبدء سياسي أم هناك مبدء ديني متشبع بما ورد في التورات وفي التلمود وراء ما تكنه هذه الفئة من عداء للمسلمين.

فلابد من القاء الضوء على هذا التاريخ  حتى نفهم هذه الامة التي اختارها الله سبحانه في فترة من الزمان - اختيارا محدودا غير مطلق كما يزعمون , واختار لها أنبيباء كثر ورد اسمهم في القرأن الكريم .

☀ - لمحات من تاريخ بني إسرائيل

وقبل أن نشرع في إبطال نسبة الأسفار إلى الأنبياء نرى أنه يلزمنا أن نستعرض - ولو سريعًا - أبرز المحطات المهمة في تاريخ بني إسرائيل كما تذكرها التوراة والمراجع التي أفادت منها.

يبدأ تاريخ بني إسرائيل بأبيهم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
وقد سمي يعقوب فيما بعد « إسرائيل »، ورزق اثني عشر من الولد، وكل واحد منه ولَد أمة تسمى سبطًا ينسب إليه.
فأسباط إسرائيل هم ذرية يعقوب من أبنائه الإثني عشر.
كان المكان الذي استقرّ فيه نبي الله يعقوب -عليه السّلام - في حيران في شمال بلاد الشّام، وتزوّج فيه، ووُلدَ له اثنا عشر ولداً، وقد اعتُرف بذلك في التّوراة.
وبقيَ يعقوب -عليه السّلام - في حيران عشرين سنة، ممّا يعني أنّ أبنائه كبروا خارج فلسطين، وهناك الكثير من الأدلّة على أنّ يعقوب - عليه السّلام - وُلد في فترة حياة نبي الله إبراهيم - عليه السّلام - جدّه.
ويعقوب هو ابن سيدنا إسحاق -عليه السّلام-، وقد أخبره إسحاق -عليه السّلام- بأن يتزوّج من بنات خاله لابان بن ناهر بن آزر بعد أن أمره بالهجرة إلى حيران، وذكر ذلك ابن الجوزي في كتابه ونقل اتفاق العلماء عليه.


دخل يعقوب وأبناؤه مصر إبان سيطرة الهكسوس عليها، فعاشوا فيها، وقال أهل التاريخ: بقيَ يعقوب - عليه السّلام - في مصر أربعاً وعشرين سنة في رغدٍ من العيش حتى تُوفّي هناك.
ولما أخرج الهكسوس من مصر، أذل المصريون بني إسرائيل وساموهم أصناف العذاب.


ثم بعث الله فيهم موسى عليه السلام

استنقذ موسى عليه السلام بني إسرائيل من أسر فرعون وذله، وقادهم باتجاه الأرض المقدسة، فجبُنوا عن دخولها، وبقوا في التيه في سيناء أربعين سنة توفي فيها موسى وهارون.

ثم قاد يشوع (وصي موسى) بني إسرائيل فأدخلهم الأرض المقدسة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
بعد وفات يشوع عليه السلام تفرق بنو إسرائيل إلى مجموعات متناثرة يحكمها عدد من القضاة، واستمر ذلك زهاء قرن ونصف.

ثم اختار لهم النبي صموئيل شاول (طالوت) ملكًا، فحكمهم عشر سنين، ثم ملك بعده داود ثم ابنه سليمان الذي توفي عام ٩٢٢ ق. م، وولي بعده ابنه رحبعام.

- الدولة الشمالية: ثار يربعام بن ناباط على رحبهام ، وتبعه عشرة من الأسباط، وكونوا دولة شمالية سميت: مملكة إسرائيل، وعاصمتها شكيم (نابلس) وبقيت حتى عام ٧٢٢ ق. م حيث قضى عليها الآشوريون، وحكموا تلك البلاد.

- وأما المملكة الجنوبية: (يهوذا)، فعاصمتها أورشليم، فبقي الملك فيها في ذرية سليمان حتى جاء بختنصر عام ٥٨٦ ق. م، فقتل ملكها صدقيا، وأحرق أورشليم وهيكلها، وسبى سكانها إلى بابل، فبقوا هناك حتى أعادهم الملك الفارسي قورش سنة ٥٣٨ ق. م، ثم بقوا في فلسطين في ظل اليونان ثم الرومان الذين دخلوا أورشليم عام ٦٤ ق. م، واستمرت سيطرتهم على فلسطين حتى ظهور الإسلام. 

أسفار العهد القديم - ☀

التوراة التي يؤمن بها اليهود والنصارى تتكون من أقسام عدة:👈أ) القسم الاول : الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى

:وهي التي يقابلها عند المسلمين: التوراة وهى خمسة أسفار

- سفر التكوين

- سفر الخروج

- سفر اللاويين

- سفر العدد

- سفر التثنية


ويجدر التنبيه إلى أن فرقة السامريين اليهودية لا تؤمن بما سوى الأسفار الخمسة من توراتها السامرية، كما سيأتي بيانه

👈ب) القسم الثاني : الأسفار التاريخية

وهي أسفار منسوبة لعدد من أنبياء عاصروا هذه المراحل التاريخية من حياة بني إسرائيل، وعددها اثني عشر

سفر يشوع، سفر القضاة، سفر راعوث، سفر صموئيل الأول، سفر صموئيل الثاني، سفر الملوك الأول، سفر الملوك الثاني، سفر أخبار الأيام الأول، سفر أخبار الأيام الثاني، سفر عِزرا، سفر نحميا، سفر إستير.
👈ج)
القسم الثالث: أسفار الشعر والحكمة

وهي خمسة أسفار

سفر أيوب، سفر المزامير، سفر الأمثال، سفر الجامعة، سفر نشيد الإنشاد،

وتنسب هذه المجموعة في غالبها إلى داود وسليمان، ومن المزامير ما ينسب إلى آخرين مجهولين يدعون بني قورح وأساف وإيثان (٢٣ مزمورًا)، ومنها المزامير اليتيمة (٥١ مزمورًا)، ولا يعرف قائلها.


د)
القسم الرابع : الأسفار النبوية👈

وتتكون من سبعة عشر سفرًا، وهي:

سفر إشعيا، سفر إرميا، سفر مراثي إرميا، سفر حزقيال، سفر دانيال، سفر هوشع، سفر يؤئيل، سفر عاموس، سفر عوبديا، سفر يونان، سفر ميخا، سفر ناحوم، سفر حبقوق، سفر صفينا، سفر زكريا، سفر حجي، سفر ملاخي.

وتسمى الأسفار الستة الأولى أسفار الأنبياء الكبار

والبقية الأنبياء الصغار

هـ) القسم الخامس : أسفار الأبوكريفا السبعة، وهي👈

باروخ، طوبيا، يهوديت، الحكمة، يشوع بن سيراخ، المكابيين الأول، المكابيين الثاني.

يسميها البعض الأسفار الخفية، وكانت موضع ارتياب بعض آباءالكنيسة الأوائل:

- فالقديس جيروم ترجم أسفار الأبوكريفا إلى اللاتينية، لكنه لم يضفها إلى الأسفار القانونية، لكن غيره قبلها.


- أما البرتستانت، فرفضوا الإيمان بقانونية هذه الأسفار تبعًا لليهود (٢)

- وأما الأرثوذكس والكاثوليك فقد تمسكوا بها، وإن كان  البعض يطبعونها منفردة في بعض النسخ الحديثة حرصًا على الوحدة الدينية للمذاهب النصرانية.


- ويجدر بالذكر أن بعض الكنائس المسيحية تزيد أسفارًا أخرى إلى الكتاب المقدس، كالكنيسة الأثيوبية


وكذلك فإن الرسالة المنسوبة للنبي إرمياء كانت معتبرة عند الآباء الأوائل للكنيسة، وقد حوتها أهم المخطوطات   اليونانية [الفاتيكانية والسكندرية] وأقدم الترجمات كالسبعينية اليونانية، والبشيطة السريانية، والقبطية والأثيوبية، الا أن هذه الرسالة اعتبرت فيما بعد من أسفار الأبوكريفا المدرجة زيفًا في الكتاب المقدس



وقد تم تقسيم أسفار العهد القديم إلى إصحاحات في سنة ١٢٠٠م على يد أُسقف كانتربري الأسقف ستيفن لانجتون (ت ١٢٢٨م)

وأما ترتيب الأسفار فقد أعيد غير مرة، وكان قد أقر له ترتيب في مجمع روما ٣٨٢م ، ثم عدل في ترنت ١٥٤٦م، ولهذا التغيير علاقة قوية بقيمة الأسفار وأهميتها ودرجة ثبوتها.

ولا يؤمن اليهود ولا النصارى بالإلهام الحرفي للكتاب المقدس، بل يعتقدون أن كلًا من كتبة الأسفار قد كتب بأسلوبه كما ألهمه الروح القدس.

☀ - من هم كتاب العهد القديم ؟

عن أصحاب هذه الأسفار وكتبتها الأصليين تقول كنيسة دميانة: لقد كتب العهد القديم في فترة ٢٥٠٠ سنة قبل الميلاد بواسطة أربعين كاتبًا.

يختلف هؤلاء الكتاب في صفاتهم، فمنهم الفلاسفة مثل موسى النبي، ومنهم الراعي البسيط جامع الجميز مثل عاموس، والقائد الحربي يشوع، وساقي الملك نحميا، ومنهم إشعيا رجل القصور، ودانيال رئيس الوزراء، وسليمان الملك صاحب الحكمة ....
كما اختلف الكُتاب عن بعضهم في ظروف تسجيل الوحي الإلهي، فموسى سجل أسفاره في البرية، وأما إرمياء فسجلها في ظلمة الجب، وأما داود النبي فكتب مزاميره عند سفوح التلال، وهو يرعى خرافه

☀ - النصوص التوراتية الحالية

☆ - ثلاثة نصوص يستقل بعضها عن بعض

وصل إلى أيدينا ثلاث نصوص مختلفة للتوراة، ولا نتحدث هنا عن ثلاث ترجمات، بل نعني أنه توجد نصوص ثلاثة يستقل بعضها عن بعض

وهذه النصوص هي:

١ - الترجمة اليونانية (السبعينية)،
والتي كانت نسخها المختلفة أساسًا لنسخة القديس جيروم (الفولجاتا) التي ترجمها - مع بعض التعديلات من الأصول العبرانية - إلى اللغة اللاتينية في أواخر القرن الرابع (٣٨٦م)، وعنها أخذ الكاثوليك والأرثوذكس توراتهم.

٢ - الترجمة العبرانية  
وهي المعتبرة عند اليهود والبرتستانت.

٣ - الترجمة السامرية  
وهي المعتبرة عند طائفة السامريين من اليهود فقط.

وهذه النصوص متشابهة في عمودها الفقري، لكنها مختلفة ومتناقضة في بعض التفاصيل الدقيقة.
☆ - فرقان كبيران يجدر أن ننبه لهما:
- أولهما: أن الترجمة اليونانية تزيد أسفار الأبوكريفا السبعة عن العبرية،
- وثانيهما: أن الترجمة العبرية و اليونانية تزيدان معًا عن التوراة السامرية، والتي لا تعترف إلا بالأسفار الخمسة.

☆ - صور من الاختلاف بين النصوص التوراتية

وقد تحدث النقاد عن صور الاختلاف بين هذه النصوص، وطبقًا للموسوعة البريطانية

- فإن النص السامري يختلف عن النص اليوناني (في الأسفار الخمسة) بما يزيد على أربعة آلاف اختلاف،

- ويختلف عن النص العبري القياسي بما يربو على ستة آلاف اختلاف. (١)

ونذكر بعض هذه الاختلافات للتمثيل، لا الحصر:

☆ - مما زادت به التوراة الكاثوليكية على العبرية البروتسنتية

- ما جاء في سفر الخروج حين الحديث عن أبناء موسى من زوجته صفورة المديانية، حيث ذكر النصان ولادة جرشوم ابن موسى، ثم انفرد النص الكاثوليكي، فقال: « وولدت أيضًا غلامًا ثانيًا، ودعا اسمه العازر، فقال: من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من يد فرعون » (الخروج ٢/ ٢٢)، وهذه الفقرة غير موجودة في التوراة العبرانية التي يؤمن بها اليهود والبرتستانت.


- ومثلها قول إبراهيم في النص اليوناني الذي أثبتته نسخة الرهبانية اليسوعية: « الرب إله السماء وإله الأرض الذي أخذني من بيت أبي » (التكوين ٢٤/ ٧)، وقوله: «وإله الأرض» محذوف من نسخة البرتستانت، التي تعتمد النص العبري فقط.


- وكذلك حذف النص البرتستانتي العبري عبارة « وبقي إسحاق صامتًا »، من السياق الوارد في النص اليوناني، وهو: « باركني أنا أيضًا يا أبي، وبقي إسحاق صامتًا، ورفع عيسو صوته » (التكوين ٢٧/ ٣٨).


- وأيضًا لما تحدثت الأسفار التوراتية عن اغتصاب أمنون لأخته ثامار حسب مشورة الحكيم جدًا يوناداب، وبلغ الخبر داود، تقول التوراة العبرانية، وهي تصف شعوره: « لما سمع الملك داود بجميع هذه الأمور اغتاظ جدًا » (صموئيل (٢) ١٣/ ٢١)، ثم تنتقل لوصف شعور أبشالوم بن داود.


أما التوراة الكاثوليكية الأرثوذكسية فتقول: « فاغتاظ جدًا، ولكنه لم يُحزن نفس أمنون ابنه، لأنه كان يحبه، إذ كان بكره »، وهذه العبارة أسقطتها النسخة العبرانية، ولعلها رأت أن من المحال أن يقابل أب خبر اغتصاب ابنه لأخته بمثل هذا البرود، وبمثل هذا التعليل البارد.


- وينتهي سفر إستير في توراة اليهود والبرتستانت العبرانية في الإصحاح (١٠/ ٣)، لكنه يستمر تسع صفحات في التوراة الكاثوليكية، وينتهي في الإصحاح (١٦/ ٢٤)،

وأما نسخة الرهبانية اليسوعية فقد اكتفت بإضافة صفحتين: أولاهما: أضافها على الإصحاح العاشر، والثانية: أضافها في الفقرة الأولى من الإصحاح الخامس.


- وكذا ينتهي سفر دانيال في التوراة العبرانية عند نهاية الإصحاح الثاني عشر، فيما يمتد السفر في التوراة الكاثوليكية ليشمل إصحاحين آخرين لم يسجلهما النص العبري، الذي أهمل أيضًا صلاة عزريا، والتي تربو على ثلاث صفحات، ومحلها الإصحاح الثالث من السفر، فيما بين الفقرتين ٢٣ و٢٤ من الإصحاح العبراني.


☆ - ومن الاختلافات بين توراة الكاثوليك والبرتستانت

- ما جاء في سياق طلب موسى من الله أن يردف معه أخاه هارون نبيًا، فيجعل النص العبراني كلام موسى مجافيًا للأدب، فقد قال موسى للرب:

« استمع أيها السيد، أرسل بيد من ترسل، فحمي غضب الرب على موسى » (الخروج ٤/ ١٤ - ١٥)،

لكن النص الكاثوليكي يقدم صورة محسنة لخطاب موسى للرب، فيقول:

« رحماك يا رب، ابعث من أنت باعثه »، لكن الأدب الجم الذي ذكروه لم يمنع من حلول السخط على موسى، إذ يكمل النص الكاثوليكي فيقول: « فاتقد غضب الرب على موسى ».

- وتدخل كاتبو النص اليوناني ثانية بغرض إصلاحه وتصحيحه في سياق قصة خيانة أبشالوم لأبيه داود، فقد كتب العبرانيون أنه

« وفي نهاية أربعين سنة [أي من عودته من جشور] قال أبشالوم للملك: دعني فأذهب وأوفي نذري الذي نذرته للرب » (صموئيل (٢) ١٥/ ٧)، فقوله: «أربعين سنة» عبارة غير صحيحة، فإن "بعض الدارسين يرى أن الأصح أن نقرأ (صموئيل (٢) ١٥/ ٧) على أنها أربع سنوات كما جاءت في النسخ السريانية والسبعينية، وليست أربعين سنة » (١)، ففي النسخ التي تتبع النص السبعيني اليوناني - كالترجمة العربية المشتركة والرهبانية اليسوعية - النص هكذا « وبعد انقضاء أربع سنوات قال أبشالوم للملك: دعني أنطلق إلى حبرون لأوفي نذري الذي نذرته للرب »، وهكذا يطرح السؤال نفسه: من الذي أعطى مترجمي السبعينية وغيرهم الحق في تصحيح أخطاء كلمة الله؟


- ومنها ما ذكرته التوراة العبرانية عن نبي الله أيوب، أنه قال : « وبعد أن يفنى جلدي هذا، وبدون جسدي أرى الله » (أيوب ١٩/ ٢٦)، فالنص يتحدث عن فناء جلد أيوب، وأنه سيرى الله لكن لا بجسده، وهذه المعاني تغاير تمامًا ما جاء في التوراة الكاثوليكية، حيث تقول: « وبعد أن تلبس هذه الأعضاء بجلدي، ومن جسدي أعاين الله » فالجلد لن يفنى، بل سيلبس الأعضاء، وهو سيعاين الله ويراه بجسده، وهكذا فالنصان متناقضان، فأيهما هو كلمة الله؟


- ومن الاختلافات أيضًا ما جاء في النصين العبراني واليوناني عن قصة أهل قرية بيتمش الذين رأوا تابوت الرب، فعاقبهم بقتل ما يربو على خمسين ألف من أهل تلك القرية البائسة، كما يذكر ذلك النص العبراني، حين يقول: « ضرب أهل بيتمش، لأنهم نظروا إلى تابوت الرب، وضَرب من الشعب خمسين ألف رجل وسبعين رجلًا، فناح الشعب، لأن الرب ضرب الشعب ضربة عظيمة » (صموئيل (١) ٦/ ١٩).


لكن هذا الرقم الكبير للقتلى أقضّ مضاجع كتاب النص اليوناني، فأنقصوه من خمسين ألف إلى سبعين شخصًا فقط، حيث يقول نص الكاثوليك: "وضرب الرب أهل بيت شمس، لأنهم نظروا إلى تابوت الرب، وقَتل من الشعب سبعين رجلًا، وكانوا خمسين ألف رجل، فناح الشعب، لأن الرب ضرب هذا الشعب هذه الضربة العظيمة ...» (الملوك (١) ٦/ ١٩)، ومثله في الترجمة العربية المشتركة التي جعلت القتلى سبعين، حذفت من النص أي ذكر للخمسين ألف، فقالت: « وضرب الرب أهل بيت شمس، لأنهم نظروا إلى تابوت العهد، فمات منهم سبعون رجلًا، فناحوا لهذه الضربة».


- ويتحدث سفر صموئيل عن ألقانة بن يروحام الأفرايمي، وعما أعطاه لزوجتيه حنّة وفننّة من الأنصبة، فيقول النص العبري: «وأما حنّة فأعطاها نصيب اثنين، لأنه كان يحب حنّة » (صموئيل (١) ١/ ٥)، وأما النص اليوناني والنسخ التي تعتمد عليه (كالترجمة العربية المشتركة)، فقد اكتشفوا خطأً في النص فأصلحوه، فقالوا: «وأما حنّة فيعطيها حصة واحدة، مع أنه كان يحبها».


- ويتحدث سفر الأيام عن أشحور، فيذكر النص العبري أنه ولِد بعد وفاة أبيه حصرون في مدينة كالب أفراته، وأن أمه هي أبياه، فيقول: « وبعد وفاة حصرون في كالب أفراتة ولدت له أبيّاه امرأة حصرون أشحور» (الأيام (١) ٢/ ٢٤).

لكن النص السبعيني يختلف تمامًا في قراءته، فقد جعل اسم أم أشحور أفراته، وليس أبياه، وعليه لم يعد (أفراته) اسمًا لمكان، كما جعل أشحور ابنًا لكالب بن حصرون، فتحول اسم (كالب) إلى اسم رجل بعد أن كان اسمًا لمكان،  

تقول دائرة المعارف الكتابية: «وترد هذه الفقرة في الترجمة السبعينية على النحو التالي: (وبعد موت حصرون ذهب كالب إلى أفراتة امرأة حصرون أبيه، فولدت له أشحور)». أنت أبيت أن تطلقه، ها أنا سأقتل ابنك بكرك » (الخروج ١١/ ٧)، وفي العبرانية واليونانية مثله، ولكن في (الخروج ٩/ ١ - ٣).

وأما الترجمة العربية المشتركة فلمحرريها رأي آخر، وهو أن كالب تزوج ابنة أفراته، وليس أفراته زوجة أبيه: « وبعد وفاة حصرون تزوج كالب ابنة أفراتة امرأة أبيه، فولدت له أشحور»، فأي هذه القراءات المتنافرة هو القراءة الصحيحة لما كتبه كاتب سفر الأيام!؟ 


- ومن صور الاختلاف بين نسخ التوراة الخلاف المشهور بين السامريين والعبرانيين في الجبل المقدس الذي أمر الله ببناء الهيكل فيه، فالعبرانيون يقولون: جبل عيبال، لقوله:

« تقيمون هذه الحجارة التي أنا أوصيكم بها اليوم في جبل عيبال» (التثنية ٢٧/ ٤)،

وفي السامرية والترجمة اللاتينية والنسخ الكاثوليكية التي اعتمدت عليها أن الجبل جرزيم، ففيها: « تقيمون الحجارة هذه التي أنا موصيكم اليوم في جبل جرزيم ».


- وعند دراسة أعمار الآباء في الإصحاح الخامس من سفر التكوين حسب العبرانية يفهم منه أن طوفان نوح حصل بعد ١٦٥٦ سنة من خلق آدم، فيما تجعله اليونانية سنة ٢٢٦٢، والسامرية ١٣٠٧. فكيف يجمع بين النصوص الثلاثة؟


- ثم حسب النص العبراني فإن ميلاد المسيح سنة ٤٠٠٤ من خلق آدم، وهو في اليونانية سنة ٥٨٧٢، وفي السامرية ٤٧٠٠. وقد جرى في هذه المواضع المتعلقة بأعمار الآباء الأوائل التوفيق بين النص اليوناني والعبراني، باعتماد النص الذي ترجمه جيروم (الفولجاتا) في الطبعات الحديثة من التوراة الأرثوذكسية الكاثوليكية.


- ومثله الخلاف في مقدار الزمن بين الطوفان وولادة إبراهيم، فإنه في العبرانية ٢٩٢ سنة، وهو في اليونانية ١٠٧٢ سنة، وفي السامرية ٩٣٢ سنة. (١)

ولا تتوقف صور الاختلاف بين التوراتين عند هذه الصور، بل تصل إلى التناقض السافر والتضاد التام، ومن ذلك قول سفر أيوب: « والله لا ينتبه إلى الظلم » (أيوب٢٤/ ١٢)، وكلمة (الظلم) غيرتها الترجمة السريانية إلى (الصلاة)، واعتمدت هذه الترجمة الرهبانية اليسوعية، فالنص فيها: « والله لا يلتفت إلى الصلاة ». ونبه محققوها في الحاشية إلى اعتمادها النص السرياني، وذكرت أن الكلمة العبرانية المستخدمة هي (الحماقة)، فأي هذه الكلمات أوحاها الله (الصلاة أو الظلم أو الحماقة).


- ومثله ما جاء في المزامير: « قدموا للرب مجدًا وعزًا » (المزمور ٢٩/ ١)، والنص كما نقلت الرهبانية اليسوعية في هامشها أنه في الترجمتين اليونانية واللاتينية: « قدموا للرب صغار الكباش »، فأي تناسب بين المجد والعز وبين صغار الكباش أو حتى كبارها!


ويترنم كاتب المزمور (١٠٢)، فيقول: « اليوم كله عيّرني أعدائي، الحنقون عليّ حلفوا عليّ » (١٠٢/ ٩)، واعتمادًا على النص اليوناني استبدلت الرهبانية اليسوعية قوله: «حلفوا علي» بقولها: « يلعنونني »، وأشارت إلى أنه في الترجمة السريانية: « الذين كانوا يمدحونني »، فأي هذه المعاني المتنافرة هو كلمة الله؟ وهل أعداء المترنم حلفوا عليه أم لعنوه أم مدحوه؟

- وحسب سفر أيوب العبراني، فإن زوجة النبي أيوب قالت له بعد ما أصابه القرح: « أنت متمسك بعدُ بكمالك، بارك الله ومُت » (أيوب ٢/ ٩)، بينما يذكر النص اليوناني الذي نقلت عنه الرهبانية اليسوعية أنها قالت: « أإلى الآن متمسك بكمالك، جدِّف على الله ومُت »، ومن المعلوم أن التجديف والبركة نقيضان، فهل


وفي المزمور (١١٨) يقول المترنم عن أعدائه: « أحاطوا بي مثل النحل، انطفأوا كنار الشوك » (المزمور ١١٨/ ١٢)، وهو في النسخة اليونانية: « اشتعلوا »، كما بينت الرهبانية اليسوعية في حاشيتها، وشتان شتان بين الاشتعال والانطفاء، فما رأيكم يا معاشر العقلاء؟!


طالبت زوجها بالتجديف على الله أم طلب البركة منه، أيهما كتبه الملهم بوحي الروح القدس؟


- وبعد هذا نقرأ في آخر أسفار الكتاب وعيدًا شديدًا لأولئك الذين يزيدون وينقصون في كلمة الله « لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب، إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب، وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوّة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة» (الرؤيا ٢٢/ ١٨ - ١٩)،  

فهل سيزيد الله الضربات المكتوبة على الكاثوليك والأرثوذكس الذين زادوا في كتابهم أسفار الأبوكريفا السبعة وغيرها مما زادوه في الكتاب، أم أن الله سيحذف أسماء البرتستانت من سفر الحياة لما حذفوه من كلمة الله التي يصر المؤمنون بها من الفريقين على أنها لا تزول ولا تتبدل « وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد » (إشعيا ٤٠/ ٨)!.


☆ - مما زادت به التوراة السامرية، وهو غير موجود في العبرية واليونانية

- «كانت كل أيام سام ستمائة سنة ومات» (التكوين ١١/ ١١). 

- وأيضًا جاء في العبرانية «وقال قابيل لهابيل أخيه، ولما صارا في الحقل قام قابيل» (التكوين ٤/ ٨) ولم يذكر فيه مقال قابيل، بينما جاء النص تامًا في التوراة السامرية والكاثوليكية، وفيه «قال: نخرج إلى الحقل».

☆ - ومما زادت به العبرانية واليونانية عن التوراة السامرية
الآيات العشر الأُوَل في الإصحاح الثلاثين من سفر الخروج، وقد بدأ الإصحاح الثلاثون في السامرية بالفقرة ١١.

 

 
☆ - ومن زيادات السامرية عن العبرانية والكاثوليكية الأرثوذكسية  
- ما وقع بين الفقرتين ١٠ - ١١ من (العدد ١٠)، وفيه: «قال الرب مخاطبًا موسى: إنكم جلستم في هذا الجبل كثيرًا، فارجعوا، وهلموا إلى جبل الأمورانيين وما يليه إلى العرباء، وإلى أماكن الطور والأسفل قبالة التيمن، وإلى شط البحر أرض الكنعانيين ولبنان، وإلى النهر الأكبر نهر الفرات، هُوذا أعطيتكم فادخلوا، ورِثوا الأرض التي حلف الرب لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنه سيعطيكم إياها، ولخلفكم من بعدكم » (العدد ١٠/ ١٠)، فهذا النص لا أثر له في التوراة العبرانية واليونانية.

- ومثله ما وقع في (الخروج ١١) بين الفقرتين ٣ - ٤، وهو محذوف من هذا الموضع في النسخة العبرانية والنسخة الكاثوليكية الأرثوذكسية، وفيه: "وقال موسى لفرعون: الرب يقول: إسرائيل ابني، بل بكري، فقلت لك: أطلق ابني ليعبدني،

ولنا أن نقول: أي هذه النصوص المختلفة كلمة الله؟ وما الدليل الذي يقدم توراة العبرانيين (البروتستانت واليهود) على توراة السامريين أو على توراة الأرثوذكس والكاثوليك اليونانية أو اللاتينية المترجمة عنها، فيجعل هذه مقدسة وتلك محرفة؟

﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾ (البقرة:١١١).
وأخيرًا، نتساءل: هل يمكن أن نستعيد النص الأصلي للتوراة من خلال الجمع.