السلوك اليهودي
قصة الطوفان :
في كل شعب في فترة خروجه من وحشيته قصة للخلق أما الطوفان الذي غمر العالم فإن أساطير مصر لم تعرفه ولم يوجد في حفريات جزر المتوسط ما يفيد أن أمره عرف لهم. في أساطير شعب واحد هو الشعب السوري, جاءت قصة الطوفان في أساطيره السومرية حيث غمرت الفيضانات فعلاً في الزمن القديم مساحات من الأرض وقد تكشف أديم أرضنا عن أسطورة الطوفان الذي غمر الأرض , والأرض في الأسطورة أرض العشيرة أو القبيلة. وقد ترجمت ( البناء ) الدمشقية ونشرت ملحمة الطوفان , فبان أن ما فيها يدل على كشف حضاري عقلاني راق . ودل على أن هذه الملحمة ترتكز إلى واقع حصل وإلى فكرة رفيعة في أن فعل الشر يغضب الآلهة فتبيد الأشرار. أما التسجيل في التوراة ففيه من بدائية التفكير رغم ما سجل فيها جاء بعد وضع الملحمة بعشرات المئات من السنين – فيه من بدائية التفكير ما يدل على أن الانحطاط الحضاري في بلادنا حصل في الأماكن البعيدة عن الحضارة, في أوساط البداوة وفي البداوة تفسيرات مادية وليس غريباً أن تفسر الأمور تفسيراً يتناسب مع السوية الفكرية البدائية.
ومن أبرع تكتيك التضليل أن بعثات من الولايات المتحدة جاءت في عام 1953-1954 إلى جبال أرارات ( في أقصى الشمال الشرقي للهلال الخصيب ) للتنقيب عن بقايا فلك نوح الذي نجا فيه من الطوفان.
إن شكل الفلك الذي بناه نوح وحجمه وادعاء سعته لجميع أنواع حيوان الأرض وطير السماء إلى آخره يدل على بدائية في تفهم بناء السفن وفي سعتها. أما الحمامة وعرق الزيتون فهي رمز إله السلام, الحكمة منذ عهد بعيد في الأساطير السورية عكس الغراب بصوته ولونه وأذاه.
سام سيد إخوته:
تبين أن الكنعانيين الذي سجل اليهود حقدهم عليهم هم أيضاً من السلالة التي سميت سامية , ولم يعد من ريب أن هذه التسمية بدائية خاطئة, فقد أكد علماء تاريخ الشعوب وتاريخ الحياة ( إثنولوجي وأنتروبولوجي ) أن هذه التسميات السلالية كانت تسميات لا علمية- لم يأخذ بها السوريون في حضارتهم- الكنعانيين علمياً هم من السلالة التي سميت خطأً بالسامية, وكذلك العرب والكلدان وجميع القبائل المتفرعة عنهم.
ولكن اليهود سجلوا قصة تنم عن مدى حقدهم على الكنعانيين الذين استعبدوهم ثم كانوا من أسباب تحقيرهم وتشتيتهم وأكثر حقد اليهود في بدائيتهم كان على الكنعانيين سكان سوريا الجنوبية والساحل السورية كله- وإلى جانب الحقد تنم هذه القصة عن بداوة سحيقة في البدائية, ولا يستر بدائية اليهود كون هذه القصص سورية منذ عهد سحيق. فالسوريون كانوا ارتقوا سلم الحضارة إلى مدى أصبحت معه هذه الأساطير من جملة الأقاصيص الشعبية ( فولك لور ) وفي عصر الرقي الحضاري السوري وفي القرن العشرين بعد المسيح لا يزال اليهود يقدمون هذه الأساطير البدائية.
وقصة لعنة كنعان ابن حام في التوراة تقول أن نوحاً بعد خروجه من الفلك ونجاته من الطوفان لصلاحه, شرب خمراً وسكر وتكشف داخل خبائه فرأى ابنه حام عورته فضحك , أما سامت ويافث فأخذا رداء وسترا به عورة أبيهما, فباركهما ولعن حاماً ! . هذا التسجيل المادي لهذه الأقصوصة يجعل القارئ يتساءل: من هو أحق باللعنة. الذي سكر وتكشف داخل خبائه , أم ابنه الذي ضحك منه ؟ وهذا الخباء البدوي يعود إلى ما قبل عصر البناء في سوريا إلى ما لا يقل عن ستة أو سبعة آلاف سنة قبل وقتنا . وبقاء هذه الأسطورة إلى أيام مرور اليهود في بلادنا في أوساط البداوة ليس مستغرباً. فالبداوة كانت دائماً محافظة على تقاليد وأقاصيص بدائية تتوارثها أجيالها, وأكثرها عداوة لأهل الحضارة المجاورة, وقصص مثل هذه كثيرة في البداوة حيث لا مقاييس سامية للمناقب النفسية أو عمق تفهم لها . فإن قصة مسح الابن قرداً لأنه هزأ من جدته وهي تعجن مكورة أمام معجنتها قصة سمعها أبناء الجيل السابق في وطننا من جداتهم.. وقواعد المناقبية اليهودية قواعد وحشية سحيقة في تاريخ الإنسان.
قصة تارح وأبرم ( إبراهيم ) :
من أغرب القصص قصة ادعاء اليهود أبوة إبراهيم لهم. وبنوة إبراهيم لتارح. وأغرب من الأقصوصة أنها زجت الخديعة الكبرى في المذهب المسيحي .
مكتشفات رأس شمرا ( أوغاريت ) بينت الأصل الصحيح لهذه الأساطير السحيقة في القدم. فتارح الذي جعلته الأقصوصة الشعبية التي احتفظ بها اليهود من توراتهم, تارح هو اسم الإله القمر ( سن ) في الجزء الجنوبي من سورية فلسطين. وسادت عبادة تارح سن وعشيرته ( امرأته ) ( سن تيكال ) ! الإله القمر الذي عمت عبادته سوريا كلها . تارح الإله كان حسب التقليد البدائي السحيق في قدمه في سورية, إله العشائر الأبراميين أو الإبراهيميين الذي قطنوا الجنوب الغربي من الأرض السورية. أرض النقب. وقد أكدت هذا الأمر حفريات مدينة ماري.
فما جاء في كتابات التوراة من أن تارح هو والد إبراهيم, وأنه أي تارح انتقل بابنه إلى حران من أور الكلدانيين ثم مات هناك فانتقل بعده ابنه إبراهيم إلى الجنوب ماراً بالقدس, إن هي إلا أقاصيص القبائل الإبراهيمية التي كانت تعبد الإله القمر ( سن أو شن ) باسم تارح ومن الحسن أن نلاحظ أن السوريين القدامى كانوا يرون في الإله أباً للقبيلة.. وقد أثبتت المكتشفات أنه كان لكل قبيلة إله يتنقل معها وتسير حسب إرشاداته التي كانت تعطى بواسطة الكهنة والعرافين بالتكلم مع الله إله القبيلة. وكان الإله إيل ابن عيلون هو الإله الأكبر أب الآلهة خالق السموات والأرض وأب جميع الآلهة كما سيمر معنا بعد.
وإبراهيم الذين يدعيه اليهود أباً لهم. كانت في النقب قبيلة باسم الإبراهيميين أو ولد أبرام أو إبراهيم في زمن سبق مرور اليهود إلى أرضنا بعد مئات السنين ومن هذه القبيلة, الإبراهيميين, أو ولد إبراهيم كان فخذ السبعانيين أو الشبعانيين ولد شبع أو شبيع التي سيمر معنا بحثها في أسطورة حفر بئر السبع أو ( بير شيبع ) , وقد جاءت في توراة اليهود عدة أقاصيص حول كيفية بناء هذه البئر ومن بناها. نجد هذا في حفريات رأس شمرا أوغاريت
هذه المكتشفات تدلنا على أن أسفار التوراة كانت أقاصيصها في غالبيتها مستقاة من أساطير سورية قديمة. وليس ما يؤكد أن كتبتها بشكلها الحالي يهوداً . ولكن اليهود في بدائيتهم الوحشية اقتبسوا الأساطير و أساليب العيش في جنوبي سورية وتحجروا فيها ولا يزالون. وتقدم السوريون أشوطاً في الحضارة حتى حققوا أرفع قممها في كل علم وفن وفلسفة .
تشويه بدائي وعقلية انحطاطية :
في قصة إبراهيم لم يحدث الاقتباس والادعاء فحسب, بل شوه إبراهيم بالعقلية اليهودية الانحطاطية. فإبراهيم وأسطورته اقتبست من بقايا ما علق في أذهان أجيال ساكني النقب في ذلك الزمان السحيق. لكن اليهود زادوا عليها في الزمن الأخير, وبعد السبي على الأخص, ما رأى كتابهم أنه متوافق حالتهم وعقليتهم, فقد جعلوا إبراهيم يبيع امرأته إلى ملك مصر ليفيد من مهرها, وبهذا وضعت قاعدة للمناقبية اليهودية بيع نسائهم من أجل السلامة وكسب المهر, وفي عملية الاقتباس يخلطون الأمور حسبما وصلت إليهم بعد مئات السنين من ابتداعها كأساطير سورية قديمة, فإذا بامرأة إبراهيم عاقر وإذا بالرب يمر بخيمة إبراهيم ويبشره بمولود وامرأته في سن متقدمة. ويولد له إسحاق وهذه أسطورة إلهية قديمة أيضاً كانت معروفة في جنوبي البلاد وقد كشفت عنها الحفريات ولاسيما حفريات رأس شمرا.
في قصة إبراهيم أن الله وعده بأن يملك الأرض التي وصل إليها في الجنوب فبنى إبراهيم في المكان الذي جاءه الله في المنام وقطع له الوعد, فبنى مذبحاً وكان ذلك قرب بيت إيل أي بيت الإله إيل وهذا يدل على أن الوعد أتى من إيل لا من يهوى فإيل هو أب الآلهة. لكن الخلط يأتي في أمرين في هذه الأقصوصة التي كانت لقدم عهدها تزيد وتنقص وتستبدل فيها الأسماء شأن كل رواية تتناقلها القبائل البدائية حتى يومنا هذا.
إن المكتشفات أكدت أمرين, الأول أن أسطورة قسمة الأرض وتوريثها قديمة, فالإله الأعلى المسمى عليون الأب الأول لجميع الآلهة هو الذي قسم الأرض على أولاده. وكان لإله الإبراهيميين قطاع الجنوب, النقب وبالتالي فأرض النقب هي للقبيلة المتعبدة لإله الأرض. وهذه الأسطورة البدائية كانت من بقايا العصر الحجري المتأخر. الثاني: أن أسطورة كاريت المكتشفة ملحمتها في رأس شمرا والتي هي أسطورة جنوبية سورية قديمة قبل مرور اليهود بعدة قرون, تقول بأن الإله أيل وعد كاريت بأن يورثه الأرض, وكان كاريت دون أولاد فاحتج على الإله إيل على هذا الوعد. إذ كيف يمكن أن يرث ذراريه الأرض وهو لا أولاد له. وكان أن وهب الله كاريت ولداً وامرأته العاقر متقدمة جداً في السن, ذلك للدلالة على قوة الله وعلى توكيده للإرث. والأسطورة تسير كما جاءت في التوراة عن إبراهيم, ولكن كاريت لم يبع امرأته لأحد, ولم يكن في حضارة ذلك الزمان بيع النساء, لكن ذهنية اليهود هكذا رأت .
ومما يجدر تسجيله هنا أن اليهود متمسكون بهذا الوعد, وقد سرت هذه الخديعة في أذهان ملايين البشر الذين يرون في كتاب الأساطير السورية و ( الفولك لور ) القديم الحجري كتاباً مقدساً .
وفي الفصل الخامس عشر من التكوين نجد هذا النص: (( وفي ذلك اليوم بت الرب مع إبراهيم عهداً قائلاً لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ))
ليس غريباً أن يملك ولد إبراهيم الإبراهيميون من أرض مصر إلى الفرات فهم سكان هذه الأرض ولا دخل لليهود في هذا الوعد إطلاقاً. فمرورهم في أرضنا كان بعد إبراهيم والإبراهيميين بعدة مئات من السنين .
قصة ساراي وهاجر:
في قانون حمورابي منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد وقبل مرور اليهود بحوالي سبع مئة عام ما يجعل للرجل حقاً في زواج امرأة ثانية في حالة واحدة, هي عقم الزوجة ويخضع هذا الأمر لرضا الزوجة الأولى التي تبقى سيدة البيت وتحسب الزوجة الثانية سرية. وهكذا ولدت هاجر سرية إبراهيم ولداً له ثم فتح الله لساراي فولدت هي الأخرى, وليس غريباً أن تسري أسطورة أن الإبراهيميين ولد أبرام في النقب وما يليها شرقاً هم من أب واحد مع قبائل شمالي غربي العربية . لكن المناقبية اليهودية تأبى إلا أن تجعل ساراي وإبراهيم يقومان بعمل وحشي هو طرد الأمة ( السرية ) وولدها اسماعيل , ولعل اليهود لتحجرهم في أساطير وصلت إليهم من مرورهم اقتبسوا الأسطورة وصبغوها بالصبغة البدائية وهي المباهاة بالحسب فادعوا نسل الحرة, أما القبائل الأحرى فقد عزوها لنسل الأمة المستعبدة.
إن ما جاء في القرآن الكريم حول هذه الشؤون لا علاقة له إطلاقاً باليهود, فإسماعيل ويعني استجابة الله ( إيل ) كان قبل اليهود بمئات السنين, على ألسنة سكان الأرض ( فولك لور ) .
وسنرى أن ادعاء اليهود أن مجيئهم العابر إلى أرض كنعان في جنوب سورية, كان بعد نزوحهم إلى مصر واستعبادهم هو ادعاء فاسد أيضاً من الوجهة التاريخية.
تجديد العهد:.. في توراة اليهود تجديد العهد بكلمات وأشكال مختلفة مما يدل على أن الأقصوصة كانت تتردد على أوجه عديدة في مختلف الأماكن وفي مختلف الأفخاذ اليهودية. وما لا ريب فيه أن عبور القبيلة اليهودية إلى أرض كنعان جعلها تتحالف ضد الحضر لرد ما كانت تقاسيه القبائل الرحل من منع الكلأ والماء في أرد المدر . وما كانت تلاقيه من استخفاف بأمرها واحتقار, لا نزال نراه حتى يومنا هذا من السكان المتحضرين والحضاريين نحو الرحل وأهل الوبر والرعي. ( وإننا نلاحظ اليوم في إسرائيل مدى احتقار اليهود الأوروبيين لليهود الشرقيين )
ما جاء في التوراة عن الضيوف الثلاثة الذين مروا بإبراهيم وهو في باب خبائه وبشروه بالولد, قصة بدوية تحصل اليوم أيضاً . ترجي المارين بقبول الضيافة والذبح لهم وبقاء النساء وراء الخباء, الخ . أو الوعد لساراي فيتكرر كما جاء في أسطورة كاريت المكتشفة في رأس شمرا والتي كانت دون ريب على ألسنة الناس في جنوبي سورية كلها في ذلك الزمن من أقاصيصهم الشعبية.
قصة سدوم وعمورة :
إن هذه القصة نجد لها مثيلاً في يومنا هذا, إنها قصة زلزلة بنيت حولها الأساطير والقصص الشعبية وفي ما حفظت لنا الأساطير والملاحم وسجلات أديم الأرض , أن الويل الذي كان يصيب الشعب من الأمور الطبيعية كالزلازل والسيول والطوفانات والأوبئة والانكسارات في الحرب, وكان تعزى كلها للشر الذي يصنعه الشعب في عيني الرب إلهه, إنها مفاهيم مناقبية عالية ونلاحظ كيف مسخها اليهود إليهم في إعطائها من نفسيتهم الانحطاطية.
كثر الشر في سدوم وعمورة فغضب الرب, وأنزل عليها النار والكبريت. ( والزلزال الحديث لنا عبرة, فالناس كلهم في وطننا توجهوا إلى الله ليرفع غضبه لأن الزلزال حصل كثرة الشرور وتسجل هنا نكتة حصلت فعلاً . ففي الهزة الثانية صاحت إحدى النساء بابنها الطبيب , الله ينجينا من هذا الجيل يأكلون اللحم يوم الجمعة . (( كلوا لحم يوم الجمعة بعد )) فأجابها زوجها اسكتي يا امرأة اللحم يعمل هزة في الأمعاء وليس في جوف الأرض ) !
أسطورة هدم سدوم وعمورة تدل على تمسك الشعب بالوصايا الإلهية وعلى المفاهيم القديمة بأن الله ينتقم من الذين لا يحفظون وصاياه. إن هذه الأقصوصة الشعبية دليل على حضارة ومناقبية تشوبها مفاهيم شعبية لا تزال سارية في كل العالم . لكن اليهود شوهوا هذه الأقصوصة فإذا بهم يجعلون لوطاً يدخل على ابنتيه ليقيم له نسلاً. إن مثل هذه العقلية البدائية هي عقلية يهودية, فلم يدل تاريخ القبائل السورية منذ ما قبل التاريخ الجلي على تزوج الأب ببناته وجعل الأمر مقدساً ! ( وهنالك ما يشاع عن إحدى القبائل اليزيدية في شمالي سورية بأن الآباء يتزوجون بناتهم ولا يحرف فيها إلا دخول الابن على أمه )
وقد حصلت العملية بخديعة, فقد تآمرت بنتا لوط فسقتاه خمراً حتى سكر, ولا بد أن هذه الزيادة أتت متأخرة حين أصبح سماع مثل هذا الأمر من القباحات غير المقبولة, ولكن اليهود لا يزالون يقدسون هذه المنكرات. والخديعة العالمية الكبرى هي جعل هذه الأقاصيص الشعبية التي تركها شعبنا في تساميه الحضاري من العصر الحجري المتأخر مقدسات للمسيحية أيضاً ! .
إبراهيم يبيع امرأته :
ليس شأننا تبيان المتناقضات في هذه الأقاصيص, إن ما نهدف إليه تبيان العقلية اليهودية المتحجرة حتى يومنا هذا. نزح إبراهيم نحو الجنوب من بيت إيل إلى صحراء النقب, وقال عن زوجته أنها أخته, ولا غرو فقد كان في الحجري المتأخر مباحاً في قبائل البدو الجنوبيين زواج الأخت إذ كانت من أم أخرى وتحرم إذا كانت من نفس الأب والأم ولكن إبراهيم في قصة اليهود الممسوخة يزوج امرأته لملك الأرض أبيمالك طمعاً بالسلامة وبالمهر. ( شأن يهودي محض ) ولكن الملك عرف أنها زوجة لإبراهيم, وكان مثل هذا الأمر رجساً عند قدامى السوريين, وكان الأمر شراً يغضب الآلهة فردها أبيمالك على زوجها مع الهدايا. إنها أقصوصة شعبية قديمة. وبمثل هذه الأقاصيص كان الشعب يتثقف. حتى الملك لا يحق له أخذ امرأة رجل آخر, إنها شر ومخالفة للقانون. ولكن اليهود أخذوا هذه الأقصوصة الشعبية فمسخوها وهي لم تحصل حتماً لإبراهيم أب قبيلة الإبراهيميين وفروعها الاسماعيلية والشبعانية أو السبعانية .
استملاك مكان القبر:
ماتت ساراي , لم يكن لإبراهيم مكان يدفنها فيه, اشترى مكان قبر من بني جث ليس في الأمر ما يلفت النظر فالعادة كانت كذلك ولا زال حتى اليوم الأجانب يشترون مدافن لموتاهم ( حتى في أماكن مدافن طائفتهم ) لكن ما يتابعه اليهود من هذه الذهنية وهذه الوسيلة حتى يومنا هذا هو ما يلفت النظر .
مما لا ريب فيه أن هنالك مكاناً يدعى في ذلك الزمن السحيق قبر ساراي , وكانت القبائل الإبراهيمية ترى فيه حقاً لها لكن يهود الزمن الحالي يتخذون من شراء الحقول عملية تملك كما حصل في فلسطين منذ العقد الأول من القرن العشرين و العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر, كانوا يشترون حتى أصبح لهم بسبب خيانات بعض المتصرفين بأرض الوطن , مستعمرات ومنها انطلقوا لإنشاء ولقيام دولتهم المسخ. والأشد إيلاماً هو أن الخديعة اليهودية بأن الله وعدهم تضلل الملايين من الناس فيساعدونهم بالمال وبالضغط السياسي لمثل هذا الأمر الكاذب.
إبراهيم يزوج إسحاق :
في قصة إسحاق أمران هامان الأول أن الله افتداه بكبش حين هلم أبوه بذبحه قرباناً لإلهه .. لم يكن في زمن عبور اليهود في مرورهم بأرضنا وطردهم عادة ذبح الأبناء للآلهة . كانت الذبائح مواش وطيوراً ,وكانت عادة ذبح الحيوان والطير للآلهة بدل الإنسان قد عرفت في سورية منذ ألف سنة على الأقل قبل عبور اليهود ( وقد رآها التاريخ في شعوب أخرى في أواخر الألف الأول قبل الميلاد المسيحي ) أنها أسطورة سورية قديمة مسخها اليهود.
والأمر الثاني هو قصة زواج ولد إبراهيم من أرض قبيلتهم الكلدانية. فالإبراهيميون لم يتزوجوا من الكنعانيات. وهذا أمر نجده في البداوة حتى يومنا هذا. ونجده في بيئات العقلية اليهودية. فبين القبائل المتمسكة لا يحصل زواج, وكذلك بين العائلات المتيبسة في وهج تقاليد عنيفة, ولا يحصل تزاوج بين بعض أتباع المذاهب. ومن طبيعة التمسك بالتقاليد عدم تزوج ولد إبراهيم الكلداني من الكنعانيات . قبائل متعادية متمسكة, ومذاهب متباينة ومن الشر أن يتزاوج أتباع المذاهب المختلفة.
وفوق هذا أن الكنعانيين ما كانوا ليزوجوا أو يتزوجوا من غير قبيلتهم, والتمسك والافتخار بل التعصب الكنعاني في هذا الأمر تابعهم في تاريخهم حتى العصر الروماني, فكان هذا الأمر من ميزات (( الإثم الكنعاني )) الاعتزاز بالشخصية الكلدانية.
ليست كتابات التوراة من النوع الذي يمكن أو يوضع في دائرة أو في هامش دائرة الكتابات التاريخية, ولعل المؤرخ اليهودي نوث هو أقرب كاتب إلى وقتنا هذا ممن أجمعوا على رفض التوراة ككتاب يصلح مرجعاً تاريخياً ولكنها تصلح في بعض الأساطير للتعرف إلى فولك لور الأقاصيص الشعبية الأسطورية التي كانت سائرة في العصر الحجري المتأخر في بلادنا وتصلح دليلاً على العقلية اليهودية من التمسك اليهودي بهذه الأساطير وتقديسها .
أما إبراهيم التوراة فشخصية ممسوخة, وأقاصيص متضاربة إذ بعد إعلان موت إبراهيم عن ولد واحد نجده يتزوج بسرار كثيرات ويولد له أولاد هم أبناء القبائل التي كانت تخلق الأساطير لتتقارب وتتنافس في الأحساب. فولد إبراهيم بعد تباعدهم أفخاذ وعشائر أصبحت لهم مجالات المباهاة وادعاءات ولد الحرة وولد الأمة, وليس في ذلك ما لا نراه في البداوة في يومنا هذا أيضاً !
قصة يوسف .... اقتباس ومسخ :
تزوج إسحاق بن إبراهيم من بنات عشيرته, وقد رأينا أن عشيرة الإبراهيميين التي نزحت من أرض الكلدانيين إلى تخوم كنعان الجنوب لم تكن لتتزاوج من الكنعانيين, وحصل لإسحاق ما حصل لأبيه , فهو الآخر ادعى أن امرأته هي أخته ليكسب مهرها من أبيمالك ملك جرار في النقب. وفي هذه القصة أيضاً توكيد لما جاء في وصايا موسى التي يدعيها اليهود بشأن الزنا واشتهاء امرأة القريب. ( جاء في وصايا موسى العشر لا تزن .. لا تشته امرأة قريبك ) وهنا نجد أبيمالك يؤنب إسحاق من أجل فعلته الشنعاء.. فقد جاء في الفصل السادس والعشرين من سفر التكوين قول أبيمالك لإسحاق .. (( إنها امرأتك فلماذا قلت إنها أختي ! )) فأجاب إسحاق (( لأني قلت لعلي أهلك بسببها )) فأنبه أبيمالك بقوله : (( ما الذي صنعته بها , لولا قليل لضاجع أحد قومنا امرأتك فجلبت علينا إثماً )) .
هذه هي أخلاق القوم وتمسكهم بالتقاليد السامية الراقية. يأثم الزاني فتحمل الأرض وسكانها إثمه, فالرجل يتحاشى الإثم من أجل الشعب كله, من أجل القبيلة كلها , أما السلوكية اليهودية التي تمسخ هذه الأساطير فإنها تجعل من الرجل بياعاً لامرأته لإنقاذ نفسه. !
قصة بئر السبع:
لقد كشفت حفريات رأس شمرا وماري عن وجود عشيرة من الإبراهيميين اشتهرت بالبأس وشدة المراس في الحرب. إنها عشيرة السبعانيين (( أو ولد سبع أو شبع )) ويأبى اليهود في توراتهم إلا أن يرووا أسطورة بأس هذه العشيرة وحمايتها لآبارها السبع أو لمياه ولد سبع من أطماع العشائر المجاورة. فإذا بهم يعزون حفر البئر لم يدعون أنهم آبائهم , وبئر السبع تعود إلى قرون سبقت مرور اليهود في أرضنا وتشتيتهم منها .
المناقبية الانحطاطية :
إن أسطورة الرعي والصيد مقابل حياة القعود أو الترف أسطورة تعود إلى السحيق من عهود الشعب السوري, وأبرزها ملحمة جلجامش في أروع ما حفظ من الأدب التعبيري الراقي (( أسطورة بابلية وليست سورية !!)) في أروع ما حفظ من الأدب التعبيري الراقي ونجد الأسطورة في قصة قابيل وهابيل ( لاحظ إيل في الاسمين دلالة على أنهم من عبدة إيل ) وفي التوراة اليهودية تمسخ الأسطورة بشكل يدل على نفسية يهودية لا تزال في أساس قواعد السلوكية اليهودية المتحجرة.
ولد لإسحاق عيسو ويقعوب وكان عيسو رجل صيد وبأس, وكان يعقوب قعوداً خدن البيت. وللأخوين قصة تكشف عن العقلية اليهودية المستمرة في تحجرها , والتي تتخذ في التطبيق سبلاً لا توجد إلى عند اليهود.
وليس مستبعداً أن تسري أسطورة في البداوة للدلالة على ما يصيب من يستخف ببكوريته ( أي بكونه بكر الأبناء ) فإن فاتح الرحم مقدس في أساطير السوريين, وهذا دليل على تقديس الحياة. ومثل هذا الأسطورة بقيت عبر القرون إلى يومنا هذا , وتسمع في مجال التنافس المذهبي أن إحدى العشائر السورية لا تزال تقدس الرحم ينبوع الحياة في استمرارها, وعلى هذا وبالرغم من عدم حصولنا على مستند أثري, لا نستبعد أن تكون أسطورة استعباد وفقر المستخف ببكوريته تسري بين القبائل البدائية في نطاق القبائل حول وطننا, وقد جعل اليهود يعقوب مغتصباً للبكورية حائزاً على بركاتها, ولكن الوسيلة انحطت يهودياً إلى الحضيض .
فادعاء اليهود بكورية اسحق مدون على وجهين اثنين, الأول أن عيسو كان في الصيد وعاد متعباً إلى المضارب وقد ألح به الجوع , وإذا بأخيه يأكل عدساً مطبوخاً. طلب عيسو من أخيه أن يطعمه مما يأكل فأبى عليه وساومه على بكوريته فباعها له عيسو بصحن عدس مطبوخ ( صحن مجدرة )
, هذا أحد وجهي الأقصوصة . هل في القصة دلالة على أنها قصة حضرية يسخر بها الزراع من الرعاة فيجعلون واحدهم يبيع أعز ما له بأيسر ما لدى المزارع – هو صحن عدس مطبوخ ؟! أم هي أقصوصة الجوع يكفر حتماً بقدسية البكورية ؟! الأقصوصة يمكن أن تحصل لجائع في جوف الصحراء لا في الخيام , خيام القبيلة, وليس من المقبول أن يكون العدس بمثل هذه القيمة في مضارب البدو حول مزارع الكنعانيين وقد وصلوا فيها إلى سوية عالية من الرقي الفني الزراعي, ولعل الحفريات ستكشف عن أصل هذه الأقصوصة كما كشفت عن الأصول الراقية لمقتبسات اليهود الممسوخة.
تضليل يهودي:
الوجه الثاني من هذه الأقصوصة يدل دلالة واضحة على أسس القواعد السلوكية اليهودية , وتفصيل القصة في الفصل السابع والعشرين من سفر التكوين, وملخصها أن إسحاق حين قارب الموت دعا بكره عيسو وطلب منه أن يذهب فيأتي بصيد يهيأ لأبيه فيأكل من صيده ويباركه ويهبه الحق في إرثه, وكانت عادة أهل الأرض أن يرث البكر حق التصرف كاملاً من أبيه. سمعت الأمل قول إسحاق فتآمرت مع يعقوب لغش أبيه الشيخ الأعمى. أتيا بجدي ماعز فهيأته أم يعقوب على أحسن ما يحب إسحاق, كان إسحاق أعمى وكان عيسو مكسو الجلد بالشعر, وكان يعقوب أملس, فتآمرا على الأب بأن لبس يعقوب جلد الجدي على جلده. أكل الرجل وطاب قلبه, وكأنه أحس بأن من يخدمه هو يعقوب , فقربه إليه وتلمسه, وقال: اليدان يدا عيسو أما الصوت فصوت يعقوب. وبهذه الخديعة كسب البركة والإرث , ولم يترك لأخيه شيئاً منهما .
إله الآباء :
في قصة عيسو هذه إلى جانب ما فيها من عبرة يهودية النفسية أصلاً وفرعاً , وفي القصة أول ذكر يدل إلى استعمال كلمة الله كما كانت تستعمل في القديم, قال يعقوب لأبيه حين سأله متعجباً من سرعته في العودة: (( إلهك قد يسر لي )) . والصحيح هو إله أبي وآبائي إذ لم يكن ذكر اسم الإله الشائع, كان الشائع القول إله أبي أو آبائي. وكان إله الآباء أحياناً وأب الآلهة أحياناً أخرى هو الاسم الذي يطلق . وكان يعني به الإله إيل أب الآلهة وخالق ومدبر ما في السموات وما في الأرض, واسم يعقوب في النصوص الأصلية كان يعقوبيل , يع – قوب – إيل , أي الابن بقوة الله , أو ابن قوة الإله إيل أو شيء بهذا المعنى الدال على قوة الله إيل ونسب الرجل إليه. وقد رأينا أن اسماعيل تعني اسمع –إيل أي استماع إيل أو استجابة الله , ومثل هذا التركيب الاسمي مع الله مثل عبد الله , نعمة الله , عطا الله , رحمة الله ... الخ . ولا يزال معروفاً عندنا حتى يومنا هذا .
أما البركة التي أعطاها إسحاق ليعقوب فتجب مثلها في ما يبارك إيل أولاده وفي أسطورة كاريت التي مسخت عنها أقصوصة إبراهيم وإسحاق ويعقوب في التوراة, ويمكن الرجوع إليها في ترجمات ومكتشفات رأس شمرا.
أما يعقوبيل فقد جعل اليهود من أقصوصته التي مسخوها , تركيزاً للسلوكية اليهودية, فنجده بعد موت أبيه يهرب إلى أرض خاله لابان في المشرق في أرض الكلدانيين , وهناك خدم يعقوب خاله لابان سبع سنوات بكل من زوجتيه, وولد له بنون وبنات من الزوجات ومن السراري , وليس ما يدل على صحة التسري في الزمن الذي وجدت فيه قبائل الإبراهيميين والسبعانيين والإسماعيليين في بوادي الجنوب فالقانون الكلداني كان يمنع التسري أو تعدد الزوجات إلا لسبب العقم في المرأة . ولكن الأسطورة البدوية الجنوبية قد خلطها اليهود مع وجود يعقوب في المشرق. وعودة يعقوب هي شبه ترديد لنزوح إبراهيم كما كانت قصة إنكار إسحاق لامرأته تكرار لقصة بيع أبرام لامرأته !
ويعقوب يرسي في قصته قواعد سلوكية لا تزال متحجرة لدى اليهود حتى يومنا هذا . فإن هذا الرحل المبارك قد غش حماه أب زوجتيه, فالحمو حضري وغنمه مع الرعاة في البادية. تولى يعقوب الإشراف على الغنم والعبيد, وبعد زمن اتفق مع حميه على شراكة في الغنم, لكنها شراكة فذة , إذ اشترط يعقوب أن تكون له جميع الجداء المرقطة , وتقول الأسطورة أن يعقوب كان في زمن لقاح المواشي يضع قضباناً مرقطة في المياه فتلد النعاج نتاجاً مرقطاً , وهكذا أصبح غنم يعقوب أضعاف غنم صاحب الغنم, وقصة الوحام غير ذات موضوع فهي موضوعة لإتمام الأقصوصة , لكنها تدل على ذهنية يهودية في الغش.
ولما رأى يعقوب أن أمره سيفتضح هرب مع أولاده ونسائه واتجه نحو الجنوب, وأحس به حموه فتبعه مع عبيده, لكن الله أوحى لهذا الرجل في الحلم بأن لا يهدر دم بناته وأبنائهن, ومع اعتراف التوراة بمثل هذا التسامي عند لابان فقد سجلت أن يعقوب صنع غشاً جديداً مع لابان بسرقة ترافيم بيته أي ( الصنم ) . وحين حاول لابان التفتيش جلست إحدى النساء على الترافيم وادعت بأنها طامث لا يجوز أن يلمسها الرجل لئلا يتنجس .
وغش يعقوب أخاه عيسو حين قرب إلى أمكنة رعي غنم أخيه. وقصته مسجلة في التوراة بكل دقائق تضليلاته في الفصول 28-29-30 من سفر التكوين .
بيت إيل :
إن قدم الأسطورة وكونها أسطورة سورية ما عدا ما فيها من ظواهر الذهنية اليهودية , إن قدم القصة وكونها مسخ لأسطورة كاريت ونسخة عن قصة أبرام واضح في سردها , فيعقوب قد رأي الله – إيل في الحلم وقال إن هذا المكان مقدس للإله إيل , وأقام هناك مذبحاً وسماه ببيت إيل ( أي بيت الإله إيل ) , والعبرة في الأمر أن آلهة العشائر والقبائل كانت تملك الأرض التي يكون عليها سلطانها, و نلاحظ في أوائل عهد المسيحية أن بعض الذين جاءوا إلى الرسل كانوا يحملون تراباً من أرض آلهة آبائهم ليسجدوا عليها لآلهة آبائهم. أما إيل فهو أب الآلهة كانت له الأرض كلها أورثها له أبوه الأعظم عليون. ثم قسمها بين أبنائه, وكان نصيب ياوى ( يهوى ) النقب في جنوبي الهلال الخصيب الغربي كما سنلاحظ تكراراً بعد .
خداع يهودي:
في رحلة أبرام ذكر لمروره بمدينة شلم ( أورشليم ) للتعبد لله العلي, وذبح لله هناك فباركه ملكي صادق كاهن الله الأعظم. وكانت رتبة ملكي صادق عالية جداً في الكهنوت فهو كاهن مذبح الله العلي إيل أو عليون , أما الأقصوصة مع يعقوب فتجعله ينزل قبالة شكيم وبخدعة يذبح أولاده رجال المدينة, فد أغروهم بالاختتان جميعاً , وفي اليوم الثالث حين اشتد الألم عليهم ضربهم شمعون ولاوي ابنا يعقوب بحد السيف (؟) وهرب يعقوب مرة أخرى راجعاً نحو الشرق حتى بيت إيل, ولم يتبعه أحد للثأر فاطمأن. وتقول الأسطورة أنه بنتيجة هذه الخدعة تراءى الله ليعقوبيل وصارعه فلم يغلبه وسماع اصرع إيل أي إسرائيل .
وسنرى فيما بعد خطأ اقتباس هذه الأسطورة وخطأ أصولها على ضوء مكتشفات رأس شمرا وماري .
قصة يوسف:
ظهر أصل قصة يوسف في المكتشفات المصرية, أنها قصة في العفة وأسطورة رائعة, أصلها يوسف وتدل القصة أنه في مكان ما عبر الليطاني الشرقي كان الأخ الأصغر في بيت أخوين, وكان قوياً جميلاً , فعلقته امرأة أخيه وراودته عن نفسه, فأبى وهرب منها فحاولت إمساكه فقد قميصه من دبر , ولخشيتها من أين يخبر أخاه عن فعلتها , أو لقهرها منه, ولأن قصاص فاعلي ما اتهم به هو الخصي, فقد لفقت قصة لأخيه متهمة إياه بالتحرش بها , فكمن الأخ الأكبر لأخيه وراء باب زريبة المواشي. وتقول الأسطورة, أن البقرة حين دخلت باب الزريبة قالت ليوسف إن وراء الباب شراً كامناً , ثم دخل العجل فقال ما قالتا البقرة وكذلك الدابة والثور والعنزة والكبش. كلها قالت ليوسف إن شراً يكمن له وراء الباب , فتطلع يوسف فإذا بأخيه, والرمح في يده, كامن وراء الباب فعلاً , ولا غرابة فالمواشي كانت تبدي إجفالها عند الدخول ثم تدخل حين تتبين شخص صاحبها وراء باب الزريبة , وهكذا أخبرت يوسف بالشر الكامن وراء الباب, هم الأخ بطعن يوسف , ومع أن يوسف كان قوياً قادراً على الغلبة فإنه هرب أمام أخيه الذي تبعه حتى قطع يوسف نهر المياه الكبيرة وعجز أخوه عن العبور فوقفا على الضفتين يتكلمان وحين عرف يوسف سر غضب أخيه هاله الأمر أن يتهم بعفته, فأخذ سكينه وقطع خصيتيه احتجاجاً , ولم يطلع أخاه على جلية الأمر. وعاد الأخ مغموماً , وأبى يوسف أن يعود إلى بيت طعن فيه بعفته, وانحدر إلى مصر حيث جعله الإله شجرة ممتدة الفروع استظلها فيما بعد ذراري أخيه .
هذا ملخص أسطورة يوسف والعفة التي جعلت من الذي خصى نفسه شجرة عظيمة استظل بها ظالموه. ولكن الذهنية اليهودية جعلت من يوسف مفسر أحلام ثم عزت إليه أفظع ما عرف في مصر. ففي سنوات المجاعة في مصر , على ما جاء في أسطورة اليهود. باع يوسف القمح المخزون للمصريين لقاء حيواناتهم, ثم ابتاع منهم أرضهم كلها فأصبحت ملكاً لفرعون, وحين لم يعد للشعب ما يبتاعون حنطة للأكل واشتد بهم الجوع ابتاعهم يوسف جميعهم عبيداً لفرعون, هذا الرجل العف الحكيم يلصق اليهود به , من حقدهم على المصريين, ما جعله يستعبدهم لفرعون, وبمثل هذه القصة اليهودية اللون نفث اليهود حقدهم على المصريين الذين استعبدوهم ثم خذلوهم في قباحاتهم ضد الملوك السوريين كما سنرى.
فما أسمى وما أروع أسطورة يوسف في عفته السورية. وما أقبح ما مسخها إليه الذهن اليهودي المكدود الحقود .
في تحجرهم يدعون ما ليس لهم :
في القرن الحادي والعشرين لا يزال اليهود يقدسون أساطير أظهرت المكتشفات وتحقيقات المؤرخين أصولها ودوافعها وبعدها عن أصولها ودافعها بالمسخ وبجعلها يهودية الروح. وما هو أفظع من هذه الذهنية اليهودية هو أن الخدعة اليهودية تسري في العالمين المسيحي والإسلامي في الإيمان والتقليد.
الذين يحاولون أن يطبقوا سجلات التاريخ على الأساطير المقتبسة الممسوخة في التوراة يعجزون حتى الآن على الإتيان بشاهد تاريخي واحد يثبت أو يدل على المكان الذي أتى منه اليهود إلى جنوبي سوريا الغربي.. وادعاؤهم الأصل السوري والهجرة إلى مصر لم يثبت أمام محك التاريخ وعلم الإنسان. فجميع مكتشفات مصر وسورية الهلال الخصيب تنفي أسطورة الاستعباد في مصر للعشائر التي ذكرتها التوراة. والمكتشفات الحديثة في رأس شمرا وماري, وفي تدل العمارنة تدل بما لا يقبل الجدل على أن ما سجل في التوراة عن نزول بني إسرائيل إلى مصر وخروجهم ليس إلا أقاصيص قصاصون في العصر المتأخر وخلطوا فيها خلطاً شنيعاً ما تناقلته الألسن عن العشائر البدوية في الجنوب, وعزوا منها قصصاً إلى اليهود وقدسوها, وأصبحت الخدعة عامة, و سمى العالم التوراة ( ثو –رة أي كتاب الشريعة ) بالكتاب المقدس, ودوخ اليهود العالم في القرنين الأخيرين في عملية جدل يهودي النزعة والقواعد , حول قدسية هذه المجموعات من الأقاصيص بحرفيتها .
الثابت أن الهكسوس ( ها – كي – شو ) أي الملوك الغرباء هم غزَوة سورية تغلبت وتسلطت في مصر حوالي 170 سنة متعاقبة. وليس في المكتشفات تفاصيل عن هذه الغزوة القديمة. ولكن ما جاء في تسجيلات رأس شمرا وماري يدل على أن العشائر التي عزتها التوراة إلى يعقوب فجعلتها من ولده, هي عشائر قديمة جداً . وثبت أن هذه العشائر كانت تقطن الجنوب منذ قرون سبقت مرور اليهود في أرضنا . وإن هذه العشائر الرحل كانت في حلف فيما بينها على اقتسام أرض الرعي وعلى رد عدوان الكنعانيين الحضر عنهم.
وثبت أن هذه العشائر كانت قد بنت المدن والقرى البدائية على أنقاض المدنية المتقلصة في الجنوب . فبنيامين وبنو يوسف ويساكر ونفتالي وأفرايم ودان وأشير وسواها عشائر عرفت في الأرض منذ ما قبل القرن الرابع عشر قبل الميلاد المسيحي ولا يستبعد أن يكون الملوك الأغراب الهكسوس الذين انحدروا إلى مصر في غزوة من غربي سورية , ولا يستبعد أن يكون هؤلاء الملوك الأغراب الهكسوس الذين انحدروا إلى مصر في غزوة من غربي سورية , ولا يستبعد أن يكون هؤلاء الملوك قد استخدموا فعلاً الجنود المرتزقة من هذه العشائر, كما لا يستبعد أن تكون الأساطير عن النزول إلى مصر والخروج منها قد أصبحت من جملة الفولك لور القصص الشعبية في تلك العشائر. وقد مزجه اليهود بعبوديتهم هم في مصر أو سواها وعزوها إلى مجمل القبائل المتحالفة في الجنوب والتي سمحت كما يبدو لليهود العبرانيين بسهم للرعي بين ظهرانيهم .
ضربات مصر :
تزعم أساطير اليهود أن الله أنزل سبع ضربات بمصر تسهيلاً وتمهيداً لخروجهم لعل الحقد دفع بهم إلى جمع هذه الضربات في مصر . إن مكتشفات مصر لم تصدق هذه الأقاويل ولا يجد غلاة مؤرخي اليهود أي دليل يؤكد هذه الأقاصيص, كل ما في الأمر أن الضربات التي اشتهى اليهود إنزالها بأعدائهم, قد زعموا إنزالها بالمصريين.
ولعل قصة قتل أبكار مصر هي أطرف قصص الضربات, فالأمر حصل بأن الله – إله موسى – قال له بأن يذبح اليهود ويلطخون أبوابهم بالدم, حتى إذا مر ملاك الرب وبيده سيفه لقتل جميع أبكار مصر كل فاتح رحم من حيوان وإنسان أن لا يغلط الملاك فيعرف بيوت اليهود فيعبر عنها وهكذا حصل .
وأطرف من هذا أن الله قال لموسى : (( سأخرجكم إلى الأرض التي رفعت يدي مقسماً أن أعطيها لإبراهيم )) . هذه الفكرة البدائية بأن يقسم الله بنفسه أو بأبيه أو بأولاده وحياتهم, كانت معروفة في الشعب في النقب وفي أماكن أخرى من بلادنا حين كان يقسم الآلهة بأبيهم الإله الأعلى إيل بأن يعملوا كذا وكذا . وإنها صورة الآلهة على صورة الإنسان في الشكل وفي التصرفات. وفي الأساطير السورية السحيقة في القدم الكثير من مثل هذه المحادثات والأحلاف والأقسام بين الإله والكاهن أو القائد.. الخ ! .
جزر البحر :
تبرز نفسية اليهود في وصية إله اليهود لهم بان يطلبوا من جيرانهم المصريين إقراضهم أواني وأغراضاً ليسرقوها في خروجهم, وقد أطاع اليهود هذا الأمر, وخرجت الجماعة ولم يعرف فرعون بخروجهم إلا بعد مدة فلحق بهم , فإذا باليهود يقطعون على اليبس بين حائطين من المياه صنعهما موسى بعصاه. وإغراق الله مركبات وجيوش فرعون في البحر بعد عبور الهاربين, وأصل هذه الأقصوصة شعر كان يتغنى به أهل الأرض عن إغراق المركبات والفرسان في البحر لينجو الشعب بعون إلهه .
قصة جزر البحر ثابتة في الأساطير السورية, فقد غنى الجنوبيون الشعر في قوة الله الذي جزر البحر وجعل له اليابسة حداً ( الجزيرة من جزر المياه أو حدها ) . يذهب الباحثون إلى القول بأن أسطورة جزر البحر تدور حول ما كان حاصلاً بين المتوسط بين المتوسط والبحر الأحمر من اليابسة التي تسهل النزول إلى مصر والخروج منها, وليس مستغرباً أن يتغنى سكان الجنوب بهذه الظاهرة ويعزوها إلى إله الجنوب الذي صنع هذا الأمر ففصل البحرين المتوسط والأحمر من أجل خدمة عباده , وحافظي شرائعه! .
عبودية إسرائيل :
في مكتشفات تل العمارنة المصرية ذكر لإسرائيل في حملة مصرية على النقب عام 1225 قبل الميلاد. وفي سفر الخروج كلام كثير على استعباد المصريين لإسرائيل ووعد إلههم لهم بإنقاذهم من عبودية المصريين, وفي التسجيل التاريخي أن ملوك مصر كانوا يستعبدون الشعب في الجنوب حين يتسلطون عليه, وقد حدث ذلك عدة مرات في حالات الحروب الداخلية في سورية, وليس مستغرباً أن يكون أمر الإنقاذ من عبودية المصريين كان في جملة الأقاصيص الشعبية في جنوبي النقب كما أنه ليس غريباً أن يخرج قائد من الشعب يعيده إلى وحدته في عبادة إله آبائه الذي تخلى عن القتال معه لسبب ما . ولا يستبعد أن تكون الحروب الكنعانية المصرية قبيل مجيء أهل البحر في جولتهم التاريخية المعروفة قد أجبرت قبائل الجنوب على توحيد العبادة لإله واحد يمكن أن يكون القمر سن الذي سمي ( تارح ) للإبراهيميين أو قوة إله يا – وي ( يهوى ) ولكن هذا لا يمكن أن يجعل للقبيلة اليهودي التي سمح لها بالرعي ثم بالانضمام إلى صف العشائر الجنوبية, حقاً في وعد لم يعط لهم ولا لآبائهم. فقد ثبت بما لا يقبل الجدل أن القبائل التي يدعون انتسابهم لها هي قبائل سورية قديمة جداً في الأرض .
وأقصوصة الاستعباد في مصر يمكن أن تكون مقتبسة من أقصوصة القتال للخروج من نير المصريين الذين غزوا جنوب سورية – النقب في القرن الثالث عشر قبل الميلاد, وأقاصيص الضربات التي أنزلها إله الجنوب بالمصريين قد زيدت في القرون المتأخرة بعد السبي في القرن السادس قبل الميلاد.
شريعة موسى :
لا فرق إذا كان موسى شخصاً أسطورياً أو قائداً حقيقياً ظهر في الجنوب قبل مجيء اليهود , لكن الأمر المهم هو أن شريعة موسى في نصيها, في سفر الخروج وفي تثنية الاشتراع , هي الشريعة الكنعانية التي كانت سائدة في ذلك العهد, من الطقوس الكهنوتية وخيمة العبادة إلى خدام الهيكل وتجار الأروقة في الهياكل وبناة الهياكل , والذبائح وأنواعها وطرق تقديمها وإقامة المذابح .. الخ. كل هذه جاءت مطابقة لما اكتشف في بيبلوس ( جبيل ) ورأس شمرا . إنها طقوس العبادة السورية في العصرين الحجريين المتأخر والسابق, ولا بدع في أن تكون هذه الطقوس والشرائع بقيت ي تقاليد الشعب في الجنوب إلى زمن متأخر وحالة التطور التصاعدي السوري وتبديل الطقوس لم تكن لتؤثر في البداوة .ثم حجرها الظرف القاسي حينذاك , فاستمر تحجرها حتى يومنا هذا . أما تقديس الأبكار فاتحي الأرحام للرب فاليهود يعزونها إلى أقصوصة ضرب الرب جميع الأبكار المصريين انتقاماً لليهود ! . وهكذا نرى مراسي السلوكية اليهودية على أسس النفسية الحقود .
أربعون سنة:
وتسير الأقصوصة لتؤكد أن اليهود العبرانيين بقوا في البرية أربعين سنة, ( ونلاحظ فيما بعد أن داود ملك أربعين سنة وسليمان ملك أربعين سنة وتبدأ المتناقضات تتسع في هذه المجموعة الأسطورية العتيقة, ففي حين تؤكد إحداها بأن الله أطعم اليهود المن طوال أربعين سنة , نجد أن من بين أعيادهم تقديم باكورات نتاج الأرض وجمع الغلال الزراعية من الصحراء, وهذه الأعياد هي أعياد سورية قديمة جداً لكن اليهود يدعونها لهم ويعزونها إلى أوامر أتتهم من عند الله . وإلى جانب هذه الأعياد نلاحظ أن ما كلم به الله موسى في الجبل في سيناء لم يكن لعهد مرور , فجبل سيناء مقدس منذ القدم, وقد أظهر المكتشفات الأثرية الحقيقة, كما كشفت عن أصول الشرائع والقوانين وطقوس العبادة التي ادعاها اليهود.
لا تقطع لهم عهداً ! :
سفر الخروج في التوراة وسواه من الأسفار الأسطورية أصبح بالإمكان إعادتها إلى أصولها الصحيحة الراقية من الأساطير السورية, وما جاء فيه من وصايا وتشريع هو في الأصل تشريع كنعاني لونته الذهنية اليهودية في العصور المتأخرة حين جمعت هذه الأساطير والأقاصيص .
أما ما يلفت النظر في هذا السفر بصورة خاصة هو ما جاء في الفصل الثالث والعشرين منه , إننا نثبت هنا نصه فيرى أبناء شعبنا ما يفسر السلوكية اليهودية بعد مرور آلاف السنين على وضع هذه الأسس الحقود في أذهان هذه الجماعة.
قال الرب لموسى : (( إن ملاكي يسير أمامك ويدخلك أرض الأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحوريين واليبوسيين , وأبيدهم , لا تسجد لآلهتهم ولا تعبدها ولا تعمل كأعمالهم بل تبيدهم وتحطم أنصابهم تحطيماً , أرسل هيبتي أمامك وأكسر جميع الأمم الذين تصير إليهم وأجعل جميع أعدائك بين يديك, مدبرين , وأبعث الزنابير أمامك فتطرد الحوريين والكنعانيين والحثيين من وجهك. ولا أطردهم من وجهك في سنة واحدة لئلا تكون الأرض قفراً فتكثر عليك وحوش الصحراء لكنني أطردهم قليلاً قليلاً من أمامك إلى أن تنمو فترث الأرض وأجعل تخمك من بحر القلزم إلى بحر فلسطين ومن البرية إلى النهر , فإني أسلم إلى أيديكم سكان الأرض فتطردهم من أمام وجهك , ولا تقطع لهم عهداً , ولا يقيموا في أرضك لئلا يجعلوك تخطئ.. )) هذه هي أولى الوصايا التي يتمسك بها اليهود, فهم في كل مكان ينظرون إلى العودة إلى أرض ادعوا وعد الله بها , فهم لا يقطعون عهداً إطلاقاً مع أهل الأرض .
إذ ذكر بحر فلسطين يدل على أن هذا الوعد قد ابتدع في الزمن المتأخر, ففي زمن سيادة الشرائع الكنعانية التي يدعيها اليهود لم يكن الساحل الجنوبي قد سمي بعد باسم الشعب الذي قطنه, فلسطين. في ذلك الزمان كان الجنوب كله أرضاً لكنعان للقبائل الكنعانية. وقد تخلل هذه القبائل بعض عشائر من الكلدانيين وموجات من الحثيين , أما اليبوسيين ( كنعانيين ) فكانوا أهل أورشليم وما يحيط بها , وكان وجود هؤلاء والفلسطينيين في حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد , وهذا هو الزمن الذي يقدر بأن العبرانيين اليهود جاؤوا فيه إلى جنوب سورية, ودخلوا , أو أنهم ادعوا فيما بعد دخول حلف العشائر البدوية والتي كانت في طور التمركز في الجنوب , ومن الأساطير التي تذكر عشيرة زبلون الساكن ساحل البحر , يمكن أن يستدل أن الفلسطينيين في سيطرتهم على زيف البحر قد أخذوا مكان عشيرة زبلون التي يدعيها اليهود كما يدعون الأسباط الأخرى المتحالفة, لأبيهم الموهوم يعقوب.
تكرار وتحذير :
يكرر إله موسى تحذيره له ففي الفصل الرابع والثلاثين من سفر الخروج تكرار هذا نصه : (( احفظ ما أنا آمرك به اليوم , ها أنا طارد بين يديك الأموريين والكنعانيين واليبوسيين والحثيين والفرزيين والحوريين , فاحذر أن تضرب عهداً لأهل الأرض التي أنت صائر إليها لئلا يكونوا وهقاً فيما بينكم )) .
متناقضات وإكمال :
لقد مر معنا أن شريعة موسى وقوانينه وطقوسه ومراسيم العبادة التي دونت في التوراة اكتشفت أصولها في المدن الفينيقية فإذا بها شرائع الكنعانيين وطقوسهم, ويلاحظ قارئ التوراة أن هذه الشرائع والطقوس كانت تتطور وكان واضعوها إلى أن اكتملت , يعزون ما يدونونه إلى موسى وكلام إله اليهود يهوى إليه, وواضح أن التمايز في التدوين يعود إلى مقدرة الكاتب وأفضل ما جمع هو تثنية الاشتراع ولعلها لكاتب متعلم في دواوين بابل بعد السبي حيث وجدت الأصول الكاملة للشرائع الكلدانية والكنعانية التي لا زال اليهود يقدسونها حتى يومنا هذا .
أما تكرار الوعد في ما جاء على لسان موسى ومن جاء بعده في الترتيب الأسطوري فلم يتم شيء منه لليهود , فإنهم منذ أن أتوا إلى أن شتتوا كانوا في حرب دائمة مع سكان الأرض, إذ كانوا في عبودية دائمة في حلف عشائر الجنوب. ومع هذا فهم اليوم يدعون حقاً في الأرض . ويجاريهم في هذه الخديعة ساسة طمس الله على قلوبهم .
حشو وتهويد :
مجموعة الأساطير والأقاصيص التي حفظت لتوهم قداستها مع كل ما فيها من تفسير بدوي بدائي , هذه المجموعة التي يحاول اليهود تنفيذها حرفياً كانت تصلح للعصر الحجري المتقدم, فهي تعود إلى ذلك العصر , وأقربها يعود إلى حوالي الألفين الثالث والثاني قبل التاريخ الميلادي, وواضح أن في هذه الأساطير والأقاصيص زيادات تحمل سمة القرون التي تلت السبي , وأكثر ما جاء حشواً هو ما تخلل الشريعة المعزوة إلى موسى , فمع أن الشريعة الموسوية هي شريعة الكنعانيين منذ العصر الحجري نلاحظ أن كتابها على كثرة ما جاء فيها من متناقضات في تسجيلات الأسفار وفقاً لما جمعه كل مدون من الأفواه والألسن الناقلة عبر الأجيال أن كتابها حشو خلالها تكراراً للقول , ولا تصنعوا كما يصنع الكنعانيون, ولعل هذا الحشو جاء بعد سيطرة الكلدانيين – الأموريين , ثم البابليين – الآشوريين على الجنوب في عمليات التوحيد العديدة المتعاقبة, وتكرر القول بأن هذه الأقاصيص المجموعة يمكن أن تكون قد جمعت من كتبة ليسوا يهوداً , لكن اقتباساً كان يفرض في الزمن الأخير أن يزداد عليها بعض ما يهودها .
إن ما يهمنا من متابعة هذه الأساطير إلى جانب التنبيه إلى أصولها , وإلى جانب حفز طلابنا للبحث ولنشر المقارنات العلمية, إن ما يهمنا إلى جانب هذين الأمرين هو تبيان السلوكية اليهودية, ولهذا فإننا نكتفي في هذا السرد بالتلميح إلى المصادر الصالحة للباحث وإلى أهمية ووجوب وتشجيع متابعة مثل هذه الأبحاث. إن عملية فضح الخديعة اليهودية في العالم كله هي من أولى وسائل قتال هذا العدو الذي مر بأرضنا فاقتبس ومسخ وادعى , أفظع ما ادعى هو وعد الله له بأرضنا التي طردنا منها .
إن دخول عشائر الجنوب إلى الأرض رغم سيطرة الكنعانيين عليها في أيام سطوتهم قد حفز إلى أساطير وأقاصيص, وما كشفت عنه المكتشفات الأثرية أرجع زمن دخول هذه ا القبائل إلى عدة قرون قبل وصول اليهود إلى الأرض , وقد رأينا أن عبادة يهوى إله النقب كانت سائدة إلى جانب عبادة إيل أب الآلهة وشن القمر والبعل وعناة , في هذه العشائر . وما جاء في ما عزي إلى زمن موسى من عودة إلى صنع عجل وأفعى من ذهب للعبادة لا يخلو من رمز تكرر بعد انقضاء حكم سليمان ابن داوود, ولم يأت في الأساطير التوراتية أن عشائر الحلف الإسرائيلي الذي يدعى اليهود أنه خلف أسباط بني يعقوب يدعونه أباً لهم, لم يأت في هذه الأساطير إلا ما يؤيد كون هذا الحلف عرضة دوماً للتفكك بالرغم من تسميته باسم الإله الأكبر أب الآلهة إيل . إن الحلف باسم أصرع إيل أو صراع إيل أو إيل المصارع, إسرائيل , لم ينف عبادة يهوى وبعل وبعليم كما أنه لم يثبت أمام محاولة جعل العشائر كلها تخضع لملك واحد من هذه العشائر. وسنرى في توحيدهم تحت نير داوود وابنه سليمان أسباب هذا التوحيد الإجباري , ليس تجاه الضغط الخارجي إطلاقاً رغم ادعاءاتهم المستحدثة .
جاء في سفري الأخبار والعدد في التوراة أن أشخاصاً بالذات حرموا دخول الأرض الخصبة من الصحراء بسبب قلة إيمانهم , ولعل هذه الأسماء كانت أسماء لعشائر بائدة, وما أصاب عاد وثمود..الخ , من العرب البائدة فيه مثال , أن مثل هذه الأقاصيص تسري في البداوة وتستمر أجيالاً. وفي عصر الحضارة الحالي , لا تزال الأساطير تنتقل والأخبار تسري, فأخبار القديسين وأساطير أفعالهم التي لا تخلو من أخبار الزمن السحيق من الأزمنة التي يعرفها العالم اليوم. وأسطورة تنين مار جرجس الخضر تسمع على أوجه عدة تمثلها صور مار جرجس بأشكال متعددة تتناسب مع تمايز الأقصوصة من مكان لآخر ومن جيل إلى جيل , وكما كان مقتل تنين بيروت على يد الخضر سبباً في تنصير الدولة بتنصير ملكها هكذا كانت الأعاجيب التي يقوم بها الآلهة بالذات في الزمن القديم مدعاة لانتصار عبادة ذلك الإله . ومن أيسر ما يحفز إلى الأقاصيص هو أسماء الأمكنة أو العبارات المتداولة, فإن عبارة ماء الخصومة الذي يمكن أن يعني ما تعنيه العبارة (( عقد الراية )) اليوم في إزالة الخصومة بين العشائر, إن ما ء الخصومة جرت إلى أسطورة مخاصمة الإله لعباده بسبب تذمرهم من العطش , فالإله في التوراة وأقاصيصها وفي مجمل ما عرف عن العبادة في العصر الحجري في سورية , الإله لم يكن ليختلف عن الإنسان في نظر الإنسان إلا بالديمومة وبالقيام بعد الموت , ومن مراجعة ملحمة جلجامش , نلاحظ أن الإنسان السوري كان يحاول في كدحه الذهني أن يحل مشكلة عدم حصوله على أسرار الآلهة في الحياة الأبدية. والحياة الأبدية التي لم تعط للإنسان كانت السبب في قوة الإله ولو أصاب الإنسان هذا السر لضاهى صف الآلهة.. وقد نقلت التوراة هذه الأسطورة على أحد الأوجه كما كانت معروفة في سورية, فإن الحية رمز الحكمة ( رمز إله الحكمة وقد استخدمها موسى أيضاً في التوراة ) نصحت لآدم وحواء بأكل تفاحة المعرفة لكي يضاهيا الإله, فتم لهما الاستمرار في الحياة بالتوليد, لكن الله غضب فحكم عليهما بالاستمرار المتعب الموجع, وفي هذا أيضاً دلالة على أن الأساطير المقتبسة اقتبست في زمن متأخر جداً على زمن وضعها, فجاءت التوراة ممسوخة بدائية الأهداف. !
العصبية في المقارنة :
وفي القرنين الأخيرين بدأ العلم يكشف عن مخلفات الشعوب الحضارية , وكان للتاريخ القسط الوافي من الدراسة, وبدأ التحول من اتخاذ التوراة مرجعاً إلى الكشف عن مستندات يمكن اعتمادها علمياً . وهب اليهود إلى حملة الدفاع عن صحة ما جاء في التوراة, ولو يقبلونه رموزاً. وبدأت المكتشفات الأركيولوجية تفضح الخدعة العالمية, وانصرف عدد من المشتغلين في التاريخ إلى كشف أصول ما جمع في التوراة ومقارنة كتابات التوراة مع الأصول الصحيحة, ولكن اليهود قابلوا هذه الحملة العلمية بحملة معاكسة, فترجمت التوراة إلى لغات عديدة, وقامت جمعيات وجماعات دأبها نشر التوراة, وضموا التوراة التي سموها العهد القديم أي عهد يهوى لموسى إلى الأناجيل المسيحية, وأعطي هذا الكتاب اسم التوراة فضم أسس المسيحية أيضاً , وتمكنت الخديعة بأن الأساطير هي أقوال الله وحدوده! وإلى جانب ما ساعد المذهب المسيحي في انتشار اليهودية وأساطيرها, ألح اليهود في مطالبتهم السدة البابوية حتى أخرجت قراراً بشأن التوراة بعد أن كانت الكنيسة الكاثوليكية تحرص على عدم تناولها من العامة لعجز العامة عن تدبر أمر ما جاء فيها, وكان هذا النصر الأخير لليهودية عام 1946 .
إن العصبية اليهودية تنجح إلى حد كبير في تضليل العامة وقد مر معنا أن لجنة تنقيب قد أرسلت إلى جبال أرارات للبحث عن فلك نوح, فشغلت العالم, وحملت صحف اليهود وفي الدول الشيوعية على هذه اللجنة بتهمة التجسس وقابلتها صحف اليهود في العالم الحر بالدفاع عن هذه البعثة العلمية وإلى جانب مثل هذه العصبية في متابعة تضليل العامة نذكر الحملة التي قام بها اليهود في بداية هذا القرن بشأن أسطورة يشوع بن نون الذي خلف موسى في قيادة اليهود , فالأسطورة تقول أن يشوع أمر الشمس فوقفت في كبد السماء وتأخرت عن المغيب عدة ساعات إلى أن أكمل اليهود انتصارهم , هذه الأسطورة الدالة على صراع بين إله الشمس وآلهة الظلام والتي نقلت إلى التوراة لمصلحة اليهود, هذه الأسطورة كذبها العلم فإذا بالشمس ثابتة والأرض هي التي تدور .
لكن اليهود لم يتركوا سلاحهم تجاه ما سلط العلم من أنوار على تحجرهم البدائي, فكان أن أثاروا شغل العامة وأقلق الخاصة في العالم الحضري , ودار البحث حول إمكانية أو عدم وقوف الأرض عن الدوران, ونشرت الأبحاث والكتب في بحث ما يحصل أو يمكن أن يحصل لو أن الأرض توقفت فعلاً عن الدوران , وقام الكثيرون في عمليات حسابية للتدليل على إمكان أو عدم إمكان حصول ما جاء في الأساطير باسم يشوع بن نون, أما مسألة معارضة السامية- وقد اتهم ستالين بهذه الروح روح العداء للسامية , وأما هذه المسألة فقد كانت أفظع أسلحة التضليل العالمية التي أطلقها هذا الشعب الذي جلب عليه تحجره وسلوكيته اليهودية- الانحطاطية غضب العالم واحتقاره له !
لم يسلم اليهود سلاحهم في هذا المضمار, وكلما اشتد شعاع العقل الكاشف عن أصول أقاصيص التوراة وعن مدى الادعاء والمسخ الحاصل فيها, ازدادوا نشاطاً في إبراز ما جاء في هذا السجل. فإن نقاد التوراة وهم كثر بين كتاب التاريخ وعلماء علم الإنسان والحياة وعلوم الاجتماع فيهم حريصون على اتخاذ ما جاء في التوراة كما جاء للمقارنة مع ما يكشفه العلم, والذين يبحثون في تاريخ التطورات الدينية يعتمدون سفر تثنية الاشتراع في التوراة كمرجع من المراجع. ونرى البعض يزجون هذه التسجيلات في صلب التراث العالمي مغفلين أصولها الراقية, وقد ساعد في مثل هذا الأمر هذا الشطط الذي وقع فيه العالم المسيحي في الحكم على كل ما كان قائماً قبل المسيحية ما عدا ما جاء في التوراة.
فالعبادات السورية التي بلغت حد العقلانية العليا وساعدت في تطور الشرائع الدينية التقليدية, جميع هذه العبادات حكم عليها أقطاب المجامع المسيحية بالتكفير , فتكفير الفلسفة ومدارسها وأهمها المدرسة الرواقية السورية الخط الفكري , أبرز التوراة وحماها, ولا بدع فالأناجيل ورسالات الحواريين في محاولة جر اليهود إلى المسيحية سجلت اعترافات بما جاء بالتوراة مما كان معروفاً لدى العامة كأقاصيص شعبية وتشاريع وتقاليد ..الخ! وقد ساعد في طمس معالم الفكر السوري زمناً الفتوحات البربرية الخارجية التي بدأت بغزو الفرس في القرن الخامس قبل الميلاد ثم غزوات اليونان والرومان , ولم يتمكن الفتح العربي من كشف مفارقات التوراة فقد حفظها اليهود متشددين في التمسك بها في سرهم أينما وجدوا .
وقد ساعد اليهود في الاحتماء بالمسيحية وتجنب العلماء المسيحيين كشف بدائية أصوله تعبدهم, قول جاء عن المسيح (( جئت لأكمل لا لأنقض )) ! ومع بعد تعاليم المسيحية عن تحجر ما كان عليه اليهود وبالرغم من تأنيب المسيح لليهود على تمسكهم بما جاء في تعاليم قديمة لا تجاري التطور الإنساني الفكري, فإن هذا القول اتخذ لتدعيم التقاليد التي تعود إلى العصر الحجري والأقاصيص التي حفظها اليهود متوهمين أنها مقدسة.
وأقوى ما استند إليه اليهود قول المسيحيين, متابعة لليهود, بأن المسيح هو من نسل داود, وقد انزلق المسيحيون في هذه الازدواجية فهم يجعلون المسيح – الإله المتجسد – المولود غير المخلوق, ومن نسل داوود. هذه الازدواجية يستخدمها اليهود حتى يومنا هذا لجعل العالم المسيحي يظاهر ضد سكان الأرض حتى المسيحيين منهم .
مشيئة يهوى! :
كان لابد من إعطاء هذه النبذة السريعة حول ما يعتمده اليهود في حقلي العلم والدين لكشف الأسس التي يعتمدونها في العودة إلى فلسطين وإلى أرض العشائر التي ادعوا أنهم منها وليس لهم فيها مقدار قلامة ظفر. فقد تبين لنا أن كاتب قصة يعقوب جمع في بنوته عشائر كانت في الأرض منذ عهد سحيق, وزج اليهود نسبهم الهجين المجهول الأصل والمصدر بينهم! ونعود الآن إلى ما جاء في التوراة فنجد أنه في حين كان موسى يكلم يهوى مستوحياً متعلماً ومستعطفاً أو مستنزلاً الغضب, كان بحاجة إلى نصح حميه لابان الكنعاني لكي يقيم على الشعب رؤساء وقضاة, فكأن النصيحة التي أخذ بها موسى لم تخطر على بال يهوى, وهي تدل على حصول الاقتباس من شرائع عباد إيل وبعل لتعزى إلى أحد أبناء إيل يهوى إله عشائر النقب المحلي المقاتل معها ضد الشعوب الأخرى وآلهتها .
أما مشيئة يهوى إله القوات أو قوة الإله فكانت مخافة لإرادة الآلهة الأخرى في زمن مرور اليهود , وفي هذا دليل على التمسك بتقاليد عتيقة وحشية, ففي حين كانت الآلهة الأخرى قد ارتفعت إلى حد الاكتفاء بإخضاع المغلوب لعبادتها ولاتخاذ شرائعها, فإن يهوى أبى إلا أن تبسل كل نسمة حية يتمكن منها اليهود ! .
يغذون الحقد في أجيالهم:
قصة موسى وتحدثه مع الله في جبل طور سيناء تعود إلى ما قبل القرن الرابع عشر قبل الميلاد. فقدسية ذلك الجبل مذكورة في ما خلفته لنا الأساطير في أديم الأرض لذلك العهد, ولم يعد من ريب بأن شريعة موسى وطقوس العبادة المسجلة في التوراة, هي الشريعة الكنعانية القديمة, وقد حفظتها التسجيلات وكشفت في حفريات بيبلوس ورأس شمرا, وتبين رنا في الفصلين السابقين أن العشائر التي ادعى اليهود أخوتها هي عشائر قديمة جداً منها ما كشفت عنه الآثار في ماري وأخصها بنيامين. كما كشفت حفريات رأس شمرا عن عشريتي يساكر وأشير المحاربتين. وليس ما جاء على لسان يعقوب في وصفه لأبنائه إلا وصف شاعر لعشائر الجنوب, ويتضح القصيد في زيارة التبريك ليهوذا . وسبط لاوي كان من الكهنة وخدام المذابح وتجار الذبائح , فقيل فيه أنه يبدد في إسرائيل أما شمعون فعشيرة جاء اسمها في حفريات أوغاريت . ودان إيل أي دينونة الله قضاء الله فقد جاء فيه أنه يحكم ويقضي بين إخوته , وزبلون كان يسكن شاطئ البحر, ولم يعرف بعد القرن الثالث عشر قبل الميلاد أي بعد سيطرة الفلسطينيين على ساحل البحر أن عشائر الجنوب الإثني عشرة رحلت فعلاً للسيطرة على ساحل البحر, وأما يساكر فكان فعلاً في وسط الأرض وحوله عشائر حلف إسرائيل , وعلى هذا فإن ما جاء على لسان يعقوب في التوراة لم يكن نبوءة إن هو إلا اقتباس آخر من مواصفات تلك العشائر كان يتغنى بها أبناؤها شعراً بدائياً يعود العهد به إلى العصر الحجري المتأخر.
قصة الدخول إلى أرض كنعان:
يتكرر الوعد بتمليك أتباع موسى أرض الكنعانيين, ومن دواعي التفكير العميق أن الإله يهوى كان مثل جميع آلهة السوريين ( لأنه أحدهم وإن ادعاه اليهود زوراً ) أن يهوى لم يعد ولا مرة بالحياة الأبدية أو بفردوس سماوي. فالعمل الصالح كان يعني حياة جيدة صحة وبحبوحة وانتصارات وازدهار ! أما الشر فيعني أمراضاً وأوبئة وخراباً أرضياً. وأقسى ما يصاب به الشعب للشر الذي يرتكبه تجاه آلهته هو أن يطرد من أرضه أو أن يستعبد لجماعة أخرى ولآلهة تلك الجماعة. وفي قصة دخول اليهود إلى أرض كنعان اقتباس واضح لمجمل ما كان معروفاً في ذلك الحين. وتابوت العهد الذي كان رمز حلف عشائر الجنوب ادعاه اليهود كما ادعوا كونهم ولد إسرائيل. هم اليوم يعززون هذا الادعاء بحماس شديد, لأن المكتشفات الحديثة تضمنت أسماء بعض العشائر التي يدعي اليهود أخوتها, كما مر معنا في الفصول السابقة.
بعد أن أتم الله تعليم موسى الشريعة ( حمورابي تسلم الشريعة من الإله أيضاً , وكل مشرع وقائد كان كذلك ) نجد حشواً بعد الوصية بأن تحفظ هذه الشرائع وهو ( الفصل العشرون من سفر الأخبار ) فاحفظوا أحكامي واعملوا بها لئلا تقذفكم الأرض التي أنا مدخلكم إليها لتسكنوا فيها . والشرائع كنعانية, ويمكن القول أن موسى علم قبيلته شرائع أهل الأرض لكي لا يقذفوهم خارجاً. إذ أن عبادة إله الأرض وحفظ أحكامه وشرائعه وطقوس عبادته كانت أموراً ضرورية للسكن في الأرض أياً كانت, ويتمادى اليهود فيزيدون على قصة موسى أن الله أكد له : (( وقلت لكم أنكم ستمتلكون أرضهم وأنا أعطيها لكم لتمتلكوها أرضاً تدر لبناً وعسلاً أن الرب إلهكم الذي فرزكم بين الأمم )) . ولم يكن مثل هذا الوعد فريداً في ذلك العصر. فكل إله عشيرة كان يفضلها على جميع الناس وهي ترفعه على جميع الآلهة. (( أنا الرب إلهك لا يكون لك إله غيري )) نجدها ي مجمل الملامح الأسطورية القديمة. فالرب يبني المدينة وهو يحرسها وهو يحارب أعداءها وآلهة أعدائها, وهو يرسل ملائكته يقاتلون من أجله ومن أجل وصاياه وشرائعه .
الدابة تتكلم:
كل أمر كان يُعزى للقوة الخفية, وفي عصر الخروج من العصر الحجري كان الله وملائكته يهبطون الأرض دوماً. ولم يكن ذلك صعباً. فالآلهة كانت تسكن المرتفعات. والإله القوي كان يسكن الجبل الأعلى في نطاق ملكه, وهكذا كلم الله موسى من جبل الطور. وكان الأحلام ورؤى الليل تعزى إلى الله. لكن الله كلم موسى وجهاً لوجه. وفي قصة دخول اليهود إلى أرض كنعان دابة يستخدمها الله فتكلم راكبها لتفتح عينيه على وجود ملاك الرب وسيفه المسلول في يده. فدابة بلعام كلمته لكي لا يساعد ملك مدآب في قتال إسرائيل ولو صح هذا فما نصيب العبريين اليهود من هذا الأمر ؟ وأي نصيب لهم من إسرائيل ؟ إن قصة دابة بلعام كقصة وقف الشمس بأمر من يشوع بن نون . ولعن ابن أون ( الإله أون ) تمكن من غلبة الشمس من إحدى الأساطير التي اقتبسها اليهود وادعوها؟! كما ادعوا أقصوصة قدرة الإله جعل الدابة تتكلم حين يعصى الإنسان أمر ربه؟ إن قصة يوسف التي مرت معنا أكدت أن الحمار والثور والأتان والعنزة كلها تكلمت فأخبرت يوسف بأن شراً يتربص به.
وحشية يهودية:
إن العبودية التي مرت بها هذه القبيلة الدخيل ملأتها حقداً وما كادت تصل ببعض أفرادها أو بمأجورين للكتابة لها إلى إمكانية التدوين وكان ذلك بعد سبي بابل بالرغم من ادعاءات التسجيل أيام سليمان وداود إجماع دارسي التوراة حتى اليهود منهم لم يثبتوا العكس وما كاد اليهود يصلون إلى إمكانية التسجيل أو الادعاء الذي لا شاهد ضده حتى بدأوا نفث الحقد في حشو مروع لما كان متداولاً في الأقاصيص.
وهذا ما جاء في الفصل الحادي والعشرين من سفر العدد : (( وسمع الكنعاني ملك عراد (؟) المقيم في الجنوب بمرور إسرائيل .فقاتلهم وسبى منهم. فنذر إسرائيل نذراً للرب وقالوا : إن دفعت هؤلاء القوم إلى أيدينا لنبسلن مدنهم. )) هذا هو النذر الوحشي للرب . أن تبسل المدن, ويتابع القول فسمع الرب لهم ودفع القوم إلى أيديهم فأبسلوهم هم ومدنهم . وسمي الموضع حرمة ! . ومن اسم الموضع اصطنع اليهود قصة يدللون بها على حقدهم. والدليل أن الكنعانيين بقوا في الجنوب حتى الآن. فكانت تقوم ممالكهم وتندك في حروب متوالية لكنهم لم يبادوا ولم يشتتوا . وبقيت قبائل الرعي في الوسط لم تصل إلى البحر ولا إلى أقصى الجنوب. فكيف أبسل اليهود المدن ؟! إنها مجرد رغبة حقود. أو لعلها أقصوصة بدائية فيها من تهويلات البداوة ما قرب لليهود حشو الإبسال الكلي للمدن وللشعب .
ويدعي كاتب أو كتبة سفر الأخبار أن ملك الأموريين ضرب وقومه بحد السيف وملك الإسرائيليون أرضه, في حين يؤكد التاريخ وتسجل التوراة في أماكن أخرى حروب داود مع الموآبيين والأموريين . ولكن بشاعة الوحشية تظهر في أن ملك حبشون : (( ضرب هو وبنوه وأهله وجميع قومه حتى لم يبق له شريد وورثوا أرضه )) سفر العدد فصل 21 .
هذا هو نموذج حفظ وصية يهوى. بأن لا تقطعوا لهم عهداً ! وهذه هي الأسس للسلوكية اليهودية لكي لا تقذفهم الأرض التي يدعونها. فإذا نالوا نجاحاً فهذا يعني أن إلههم يهوى يتركهم أو يبسلون كل نسمة حياة.
هذا ما قام به اليهود في ما سمي حرب التحرير لهم. وهذه قصة دير ياسين التي اتخذوها رمزاً لحفظهم وصايا يهوى. فأبسلوا فيها كل نسمة حياة.
تقول الأسطورة أنهم ضربوا الكل بحد السيف وسنرى في سياق بحثنا السريع هذا. أن السيف لم يكن سلاح اليهود في بدء وصولهم إلى أرضنا حيث بقوا علقة حتى شتتوا .
وليست قصة المدينيين ( لا أثر تاريخي لها ) إلا نموذجاً يجب ألا يذهب عن أذهان أبناء شعبنا . ففي قصة المدينيين التي يقدسها اليهود أساساً لسلوكيتهم لنا عبرة. والقصة مثبتة في الفصل الحادي والثلاثين من سفر العدد . إذ جمع موسى 12 ألف مقاتل من كل سبط من أسباط إسرائيل وأرسلهم حسب أمر الرب ضد المدينيين ( موآبيين ) لأن الإسرائيليين كانوا قد زنوا على الله مع آلهة المدينيين واتخذوا لهم نساء منهم . وهذا ما حصل . (( دفع )) الله المدينيين إلى يدهم فقتلوا منهم خمسة ملوك ومنهم بلعام ابن بعور ( الذي أبى أن يحاربهم قبل بأمر دابته ) (( فقاتلوا مدين كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر )) وسبوا النساء والمواشي والأثاث وغنموها . وتتابع الأقصوصة وحشيتها فما اكتفى يهوى بقتل الذكور – حتى في مملكة بلعام الذي أبي أن يقاتلهم- ( فسخط موسى على رؤساء المئين ورؤساء الألوف الخارجين للحرب وسألهم أن استبقيتم النساء كلهن؟ .. الآن الآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت مضاجعة رجل فاقتلوها. واستبقوا لكم الأطفال من الإناث فقط. والأطفال اللواتي ما عرفن مضاجعة رجل ! )) هذا هو أمر يهوى الذي يتمسك به اليهود ويجعلونه قاعدة سلوكيتهم. كل ذكر للقتل وكل امرأة للقتل. وجميع الحيوانات للقتل. كل نسمة حياة يجب أن تبسل لكي يرضى إله اليهود الذي اصطنعوه من حقدهم فلا تقذفهم الأرض التي (( سيدخلهم إليها ليورثهم إياها )) .
حتى بلعام الذي أبى أن يقاتلهم قتلوه مع جميع قومه لم يتركوا ذكراً, ثم أكملوا على النساء والأطفال .
بهذا يرى اليهود أن يختموا حياة موسى رجل الله . موسى الذي تعزى إليه مجموعة الشرائع التي ثبت أنها شرائع الكنعانيين منذ العصر الحجري المتأخر يضع اليهود في الأيام المتأخرة على لسانه ما لم يكن مألوفاً في مجمل هذا البقعة . كان المحاربون يقتلون في الحرب. ولا يقتل من الأسرى إلا القادة. ويستعبد الآخرون. أما اليهود فقد وضعوا على لسان موسى عن كلام الرب يهوى نفسه أسساً وحشياً تنم عن رغباتهم الحقود. ولعل هذا الحقد تأجج بعد سبي بابل وعودتهم مع المسبيين إلى أورشليم المدينة التي ضمتهم. وكانوا يأملون من كورش ملك الفرس عوناً للخروج على أهل الأرض وإبسالهم , فوضع رؤسائهم هذه القاعدة الوحشية وعزوها إلى موسى عن يهوى إلههم وقد كلم موسى وجهاً لوجه .
مواثيق الهدنة:
هذه القواعد الحقود التي يعتمدها اليهود , لا تقطعوا لهم عهداً. ومواثيق الهدنة التي وضعها مجلس الأمن الدولي لا يحترمها اليهود لأن احترامها يغضب يهوى فتقذفهم الأرض التي يدعونها, ولا يقبلون بإعطاء أي وعد أو عهد. هذا هو مسلكهم الواضح, حتى في القرن الحادي والعشرين. لا يتركون ذكراً يبسلون كل نسمة حياة. وقد جعلوا من دير ياسين وقبية وطبريا وسواها رموزاً تدل على تمسكهم بأوامر جاءت حشواً من أساطير اقتبسوها فمسخوها. كل ذكر يقتل بحد السيف . ولنا من الحوادث الأخيرة نماذج لا ترد على تمسكهم بهذا الأمر الوحشي. فالذين يقتلونهم بالرصاص يعودون إلى طعنهم بالحراب. وإذا فاتهم طعن كل قتيل فإنهم يطعنون الذين تصل إليهم أيديهم طعنات رمزية بعدد القتلى الذين يظن أنهم سقطوا . ( أخبار دير ياسين وقبية وطبريا ) لعل هذا الأمر هو الذي يجعلهم يأبون إعطاء أي وعد .
ولا يخرج عن هذه القاعدة قول بن غوريون بأن العرب لا يزالون يحتلون مساحات كبيرة من أرض إسرائيل الأرض التي يدعون وعد الله لهم بها كما ادعوا بنوة إبراهيم وأخوة قبائل أثبتت المكتشفات , أنها لا تمت بأية صلة إلى جماعة اليهود المجهولي الأصل والمصدر. ولعلهم ولد حام الذي لعنته الأسطورة السورية القديمة في أسطورة نوح. فهم ادعوا أن كنعان هو ابن حام. في حين أثبتت العلوم أن الكنعانيون هم ساميون في ما كان سائداً في تقسيم الأنساب.
هذه القواعد الحقود وضعها اليهود على لسان موسى, وعنها مات موسى, فبعد أن أمر بقتل النساء والأطفال والمواشي, وأمر بأن يبقى المحاربون سبعة أيام خارج المحلة لكي (( يتطهروا من الرجس الذي يعلق بهم من لمس البشر الآخرين )) بعد إرساء هذه القاعدة الوحشية جعل اليهود موسى يموت لينضم إلى آبائه في الأرض .
على هذه القاعدة تقوم الدولة اليهودية. على قاعدة الأساطير الوحشية المتحجرة من القرن الحجري المتأخر والتي مسخت وحشيت بأحقاد يغذيها اليهود في أجيالهم جيلاً بعد جيل.
ولا تقطعوا لهم عهداً .. وابسلوا كل نسمة حياة فيهم. ويهوى يبيد هذه الشعوب تدريجياً.. أليس هذا ما يحصل مع الذين بقوا في الأرض المغتصبة؟! .
كيف سقطت أريحا ؟!
سفر تثنية الاشتراع في توراة اليهود حشدت فيه جميع الشرائع المنتشرة في أسفار الخروج والعدد والأخبار وليس موضوعنا هنا تبيان المتناقضات في هذه الأسفار الأربعة. ولكن المهم هو أن نرى النفسية اليهودية وتحجرها الحقود في هذه التسجيلات المقدسة. إن سفر تثنية الاشتراع كان موضوع دراسة لعدد كبير من نقاد التوراة سلباً وإيجاباً. ولكن المكتشفات الحديثة في شتى أنحاء الهلال الخصيب ولا سيما مكتشفات بيبلوس ورأس شمرا أوضحت بما لا يقبل الجدل أن هذا السفر قد وضع في زمن متأخر. وزيدت عليه حشواً تحذيرات ربانية كان المتكلم بها يهوى لموسى وقد مررنا ببعض هذه الوصايا والتحذيرات والغضبات الإلهية . لمجر الابتعاد عن الوحشية في التعامل مع الآخرين . ومما لا ريب فيه أن سفر تثنية الاشتراع قد وضع بعد السبي البابلي . ومن العلماء من يظن أنه وضع في القرون الأخيرة قبل الميلاد لجمع اليهود الذين كانوا قد بدأوا بالتشتت بين الشعوب في حوض المتوسط. وما يدل الدارسين على أن هذا السفر وضع في زمن متأخر هو احتواؤه على تشريعات فينيقية متأخرة كشف عنها في بيبلوس.
ويمتاز هذا السفر بتكرار الوعد بتمليك أرض الكنعانيين الجنوبية. ولعله كان قد وضع خصيصاً لجمع اليهود لإعادة ملكهم بعد أن سقطت ممالك الشاطئ الفينيقية أمام الزحف الفارسي وبعد أن تمكن اليهود من التقرب إلى ملوك فارس لمساندتهم في إخضاع سكان الجنوب وفي حين كان لهم من يعمل مع المصريين لإعادة بناء ملك لليهود في أرض ( بن يهودي ) حول أورشليم. وقد حاول اليهود إقامة ملك لهم بعد فتح الاسكندر – وكانوا قد عاونوه ضد أهل الأرض كما عاونوا المصريين من قبله والرومان من بعد وقامت ثورة المكابيين في أيام الملوك السوريين من أبناء سلوقس . ولكن محاولاتهم باءت بفشل ذريع. وشتتهم السلوقيون ولم يبيدوهم.
قصة العهد:
سفر تثنية الاشتراع فيه ما يتخذه اليهود في يومنا هذا , برهاناً يتخذه قياساً لا يؤيده العلم, على ما جاء في الأسفار الأخرى التابعة له. فهم يرون في التدقيقات الموصلة إلى قيام حلف بين بضع عشائر في الجنوب كما مر معنا , حجة على ما جاء من وعود إلهية لبني إسرائيل . لكن سفر تثنية الاشتراع فيه ذكر لعدة عهود في أماكن مختلفة تدل المتتبع على أن حلف عشائر الجنوب لم يحصل دفعة واحدة بل على دفعات, ولعل الضغط الحربي بعد سقوط مملكة سليمان جعل رجال القبائل ولا سيما بني يهوذا , يعيدون التذكير بالمواثيق وبعهود الله فيما بينهم. حتى وصلوا إلى حد النبوة لرجل واحد والأخوة فيما بينهم . واستفاد اليهود من هذا الأمر وادعوه جملة في القرون المتأخرة قبل العهد الميلادي فالعهد المقطوع لم يكن فريداً. كما مر معنا , كل إله كان يقطع عهداً لعباده بأن يملكهم الأرض ويسلطهم على باقي الشعوب وينصرهم عليهم. ولعل ملحمة جلجامش هي أقدم ما وصل إلينا وفيها إيضاح لهذه الفكرة. ولم تخلو قصة قائد أو محارب من عهد يقطعه إلهه بتمليكه الأرض التي يملكها شعب آخر وإله آخر.
وتابوت العهد كما جاء في التوراة صنعه صلائيل وأهليسآب كلاهما يحمل اسم إله غير يهوى , إيل وآب كلاهما من آلهة السوريين القدامى . ولعل أولى عشائر الحلف كانت عبدة إيل وابنه آب. ثم اتخذوا لهم ابناً آخر من أبناء الإله الأب إيل وهو يا- وى ( إله القوة أو قوة الإله ) ليكون قائدهم المحارب معهم في أرض عليون الأب الأول للآلهة قد أعطاها لأحد أبناء إيل يا-وى . ( زيادة الهاء في يهوى معروفة في أبرم – إبراهيم إيل – إله – يا –وى يهوى الخ )
قصة يشوع بن نون :
بعد موت موسى كان يشوع بن نون الرجل الوحيد الباقي من الذين خرجوا من مصر . هكذا تقول التوراة. وتقول أيضاً أن يشون ابن أون ( أحد الآلهة السوريين ) جدد العهد بين العشائر. لكن يشوع هذا امتازت قصته بأمرين الأول إيقاف الشمس كما مر معنا . أما القصة الثانية فهي أسطورة سقوط أريحا, وإذا صح أن قبائل الحلف الجنوبي قد دخلت الجنوب قبل سقوط أسوار أريحا. فإن ذلك يعود كما دلت مكتشفات أريحا- إلى مئات السنين السابقة من زمن عبور اليهود إلى ما بين قبائل الجنوب التي ادعت أخوتها وأخذت أساطيرها مذهباً تدين به حتى اليوم. إن الحفريات تدل على أن أسوار أريحا قد سقطت ولا يعرف السبب حتى اليوم- ولعله زلزال حل بها- وأسطورة سقوطها دونت في سفر يشوع في التوراة تدويناً بدائياً وفيه حشو من النفسية اليهودية.
كيف سقطت أريحا:
عبر الشعب النهر وتقول الأسطورة أنه حالما وطئت أقدام حاملي تابوت العهد مياه النهر وقفت المياه مثل الحائط من هنا ومن هناك وعبر الشعب في اليبس . أقصوصة أخرى عن شق المياه لعبور اليهود ! وقد أطلق اليهود فكرة إمكانية وقوف المياه مثل الحائط لترسيخ هذه الأساطير في أذهان الناس. (( لا ننسى بعثة التفتيش عن فلك نوح في السنوات الأخيرة حين كان العالم كله يناقش حق اليهود بأرض الميعاد ! ) .
أما أريحا ذات الأسوار التي دلت الحفريات عن مناعتها وعظمتها فلا يستغرب أن تكون قد سقطت ودمرت في حادث طبيعي أو أمام عدد متفوق. ولما كانت الممالك تسقط بسبب الشر, فلا يستغرب أن تسري أسطورة مفادها أن وجود بغي واحدة في المدينة سبب خرابها. فأريحا مدينة تاريخية وليست أسطورة. وكانت مدينة كبيرة منيعة حضارية. أما ما يمكن أن يشاع عن تسبب سقوطها عن وجود بغي فيها فأمر يعزز ما جاء في الأساطير المدونة في التوراة عن خوف أبيمالك من أن يزني أحد أبناء شعبه مع امرأة إسحاق فيهلك الشعب كله بخطيئة الزاني الواحد. وليس تشريع رجم الزاني والزانية إلا تشريع العهد البرونزي فيأتي الشعب كله لرجم الزاني فلا تقع خطيئة الواحد على كل الشعب.!
هذه الأسطورة عن سقوط أريحا بسبب وجود بغي فيها يقلبها الذهن اليهودي فإذا بالرب يهوى يرتب الأمر فيستخدم البغي للوصول إلى هدفه. فإذا بيشوع يرسل جاسوسين إلى أريحا ينزلان في بيت البغي الوحيدة في المدينة. وتتمكن بالرغم من طلب الملك لهما من أن تخفيهما في بيتها قم تدليهما من السور. بعد حوار قالت فيه البغي أن قلب الشعب منخلع أما إله إسرائيل الزاحف بقوة للمحق. ويقطع الرجلان لها عهداً باستبقائها. كيف أخفت البغي الرجلين الجاسوسين عن أعين رجال الملك؟ في عصرنا هذا حيث نمت النفسية اليهودية يمكن أن يحمي النافذون البغي والبغاء . أما في عصر كان وجود بغي يهدم المدينة الحصينة, فإن إخفاءهما يدل على أن رجال الملك لم يفتشوا بيتها لسبب شرعي.
وينجو الجاسوسان , ويلتف رجال يشوع حول المدينة حسب أمر يهوى ولا يعملون أي عمل حربي بل يدورون حول أسوار المدينة سبع مرات يتقدمهم تابوت العهد, ثم ينفخون بالأبواق عند إشارة من يشوع فتسقط أسوار المدينة فيدخلها بنو إسرائيل ويبسلون كل نسمة حياة فيها, ولا يبقون إلى على المرأة البغي وأهل بيتها , هكذا أسقطت الأسطورة في مسخها اليهودي أسوار أريحا, لم تكن هنالك حاجة الأسطورة في مسخها اليهودي أسوار أريحا . لم تكن هنالك حاجة للبغي . فالأسوار سقطت من نفخ البوق- النفخ في الصور -! لكن الذهنية اليهودية تأبى إلا أن تجعل يهوى يحالف البغي ويستبقيها ويفني جميع أهل المدينة وكل نسمة حياة فيها .
وهذه الذهنية هي التي يستخدمها اليهود في يومنا هذا لدك المدن والأمم. إن سلاح البغاء السياسي والمالي هو السلاح الفتاك في أيديهم. وبالبغاء السياسي المالي المتحالف مع جواسيس اليهودية العالمية سقطت حيفا وسقطت يافا وسقطت عكا وجميع المدن والقرى .
هذه الأسطورة التي تتكرر اليوم على وجهيها تحتاج إلى إمعان الفكر. فالشر المستفحل , شر الاقتتال على السماء الذي أفقدنا الأرض, شر الأوهام والبغاء السياسي المالي الذي يمارسه بغاة أغبياء في أرضنا مع اليهودية العالمية ومع كل متجسس على أرضنا طامع بها. شر بيع أرضنا المقدسة لليهود المجرمين شر الأنانية المحقرة. شر الاقتتال على الصغائر. هذه الشرور تسببت في سقوط مدننا أمام شراذم الإجرام. أما العهود التي يقطعها المتجسسون على أرضنا المرتكبون البغاء بغاء وحقارة مع كل غريب عن شعبنا طامع به, فإنها كعهود جاسوسي يشوع للبغي في أريحا. هذه الذهنية اليهودية تسببت في سقوط مدننا وقرانا. وهي تحمل خطر سقوط أفظع وأشد فظاعة إذ لم يتمكن سلطان الشعب من قطع دابر البغاء مع جواسيس الأعداء وعملائهم في الغرب وفي الشرق .
تعدوا الأمر :
أبسل المعتدون كل نسمة حياة في أريحا, لكن واحداً منهم تعدى الأمر, فأخذ شيئاً من البسل, فأغضب ذلك يهوى فحمي غضبه على كل بني إسرائيل . وفي واقعة بني ألعي (؟) سقط من رجال يشوع عدد كبير.. سقط عدد كبير من القتلى .. فعرف يشوع كما جاء في سفر يشوع أن أحد المحاربين عصى أمر يهوى في أريحا . وسأل يهوى عنه بواسطة الكهنة فعرفه . كان ما أخذه هذا المعتدي على الأمر سبيكة من ذهب, فأخذه الشعب ورجمه. رجموه ليرتفع غضب يهوى عنهم وبعد ذلك هاجموا ألعي ولم يبقوا منها مقيم ولا شريد . أبسلوا كل نسمة حياة.
على هذا النشاط تسير أخبارهم. إبسال كلي . لا يبقون على نسمة حياة ولا يقطعون عهداً للشعب.
سفر يشوع مكتوب بعد زمن السبي الأول. زمن تغلات بليسر الآشوري . ديست رقاب الملوك , فإذا بكتبة سفر يشوع يجعلون رجالهم يضعون أرجلهم على رقاب الملوك الذين سقطوا أمامهم واحداً بعد الآخر كأنهم أوراق الخريف على شجرة ضعيفة. !
وإذا كان دوس رقاب الملوك من الأمور المعروفة في ذلك الحين فإن إبسال كل نسمة حياة في الشعب المغلوب كانت فكرة حقود حاول اليهود أن يتعزوا بها بعد أن اشتد بهم حقد العبودية والمذلة أمام الشعوب الحضارية حولهم.
أساطير خرافة:
لا يكفي أن نسمي سفر يشوع مجموعة أساطير كما اتفق جمهرة العلماء على تسمية ما جاء في التوراة قبل المائة الثامنة أو التاسعة قبل الميلاد. فالقول أنها أساطير الأولين اقتبسها هؤلاء, يسيء إلى الأسطورة إنها أساطير خرافة اصطنعت على أساس الأساطير الراقية المقتبسة المدعاة زوراً ! وحجتنا في هذا القول أن سفر يشوع يدعي قسمة الأرض للأسباط التوراتية ومحاربة الملوك وسقوط المدن والقرى وتحديد التخوم. وقد جاءت التخوم كما تظهر المكتشفات قدمها الذي يعود إلى زمن بعيد جداً لا أثر للعشيرة اليهودية فيها. وسنرى في ما سجلته الأحداث وكشفته الحفريات براهين جديدة على أن حلف عشائر الجنوب الذي يدعيه اليهود أخوة لهم من أب واحد هو يعقوب لم يكن لليهود نصيب فيه .
اليبوسيون لم يكونوا في الحلف :
في سير الأيام أظهر أن حلف قبائل الجنوب كان حلفاً بين القبائل الرحل. وأن هذه القبائل كانت بدأت أعمال الزراعة وبناء القرى منذ زمن قبل مجيء اليهود . لكنهم لم يكونوا قد بنوا المدن الكبرى بعد , وتدل الحفريات ومنها حفريات أريحا أن موجة بدوية مرت في أرض الجنوب في الوسط بعد سقوط المدن الكبرى الدالة على مدنية كنعانية راقية, فعلى أنقاض المدن الكبرى وجدت أنقاض منازل بدائية, وعلى بقايا وسائل العمران وجدت بقايا بدائية في الزراعة. ويبدو أن الصناعات حتى صناعات آلات الزراعة والحرب لم تزدهر في القبائل من القرون المتأخرة. وما هو ثابت أن اليبوسيين سكان أورشليم والموآبيين عبر الأردن الشرقي وجميع سكان الساحل حتى أيام سيطرة الفلسطينيين كانوا أهل حضارة مستمرة..
أما حلف القبائل فلم يكن مستمراً فقد تقاتلوا فيما بينهم واجتمعوا لرد حروب ضدهم. ويستدل هذا من الأقاصيص ولم يثبت تاريخياً حتى الآن.
عصر القضاة وأخبار مشوهة:
وفي سفر الخروج سجل كتاب التوراة أن لابان والد امرأة موسى ( وهو كنعاني ) نصح موسى بأن يقيم من الرجال الأتقياء قضاة على الشعب, ولا يستبعد أن يكون لهذا التسجيل المتأخر أساس من الصحة العملية. فحلف قبائل الجنوب البدوي كان حلف عشائر لكل عشيرة شيوخها وقضاتها وقادتها شأن أهل البداوة في كل زمان. وفي يومنا هذا نجد لهذا الأمر استمراراً في البداوة يعود إلى ألوف السنين وله تقاليد وأسس لا يحيد عنها , ولسنا هنا في صدد تأريخ مثل هذه الأوضاع وثبوت حصولها لا يضفي على تسجيلات التوراة قيمة السجل التاريخي.
أما ما نحن وراءه الآن فهو قواعد السلوكية اليهودية التي حرص كتابهم على حشوها في ما وصل إليهم من أساطير. وهذه قصص نأخذها من سفر القضاة وهو ما سجل عن زمن سلطة القضاة في عشائر حلف قبائل الجنوب . ومن المقدر أن اليهود لم يكونوا قد وصلوا من مصدرهم المجهول في هذا الزمن المقدر أنه امتد حوالي مئة عام من 1130-1030 تاريخ بدء النظام الملكي في تلك القبائل . وأول ملوكهم المذكورين هو شاوول كما سنرى.
أقاصيص سفر القضاة هذه كتبت حتماً بعد السبي البابلي أي بعد عام 586 قبل ميلاد المسيح. فهي أقاصيص عن زمن يسبق كتابتها بستمائة عام على الأقل, ففي القول في بعض الأمور (( وإنما بقيت كذلك حتى يومنا هذا )) أو بقيت كذلك حتى ما بعد الجلاء يدل على أن اليوم ذاك كان بعد الجلاء. والجلاء الذي يتحدث عنه اليهود يبدأ بالسبي البابلي لا بالسبي الآشوري الذي سبقه بحوالي مئة وخمسين عاماً ( 722 قبل الميلاد ) . وفي السبيين كان اليهود من جملة الذين سباهم الملوك السوريون العاملون من مشرق الأرض السورية العراق ( آشور وبابل ) لتوحيد الممالك السورية الكثيرة في دولة واحدة. وقد ذكر في ما اكتشف من آثار العراق بابل ما يدل على سبي اليهود مع السبي من قبائل الجنوب حين عصت في السامرة وأورشليم. ولعل المسبيين كانوا يتنافسون في أخبارهم البدائية فجمعت في كتابات يقدسها اليهود اليوم وتشكل لهم قواعد سلوكيتهم التي ما حادوا عنها منذ تشتيتهم. فهم يمارسونها في كل بلد ينزلون فيه ويحسبون تنفيذها مرضاة لربهم فيساعدهم في العودة إلى أرض مروا بها وطردوا منها...
وعودة بعضهم اليوم يشجعهم في التمادي, فهم يحسبون قيام دولتهم بقوة سياسية ضالة مجرمة, علامة رضى يهوى على كل ما قاموا به من قباحات النفسية اليهودية في العالم.
سفر القضاة مجموعة متناقضات وأقاصيص هي أقرب إلى الاصطناع منها إلى اقتباس الأساطير ومسخها . ففيه أن يهوذا حارب أورشليم وأخذها وأحرقها بالنار . وفي الفصل ذاته الفصل الأول نجد أن بنيامين أخذ أورشليم وسمح لليبوسيين أن يسكنوا معهم فيها . وسنرى أن داود هو الذي سمح له بأن يملك من أورشليم بعد اليبوسيين . ولا غرو في أن نرى مثل هذا التنافس والتناقض, فالملك داود وهو من يهوذا كما تقول أقاصيص التوراة. وشاوول من بنيامين . واحتلال أورشليم أمر يستحق التنافس بين قبيلتين تدعيان حق الملك في حلف قبائل الجنوب. وما يمكن أن يلاحظ من أساطير التوراة أن أورشليم كانت مدينة الإله العلي . وكاهن هيكلها كان على مرتبة عظيمة كما مر معنا, والإنعام من الإله العلي على إنسان برتبة ملكي صادق كاهن هيكل أورشليم كان من أرقى النعم. ( وجاء في النبوءات وسأجعلك كاهناً في مرتبة ملكي صادق ) .
وفي سفر القضاة ترديد للخروج من مصر أيضاً , وقد بينا في فصل سابق أن أساطير الخروج من مصر كانت في القبائل الجنوبية التي يمكن أن تكون قد انحدرت مع الهكسوس, ( ها – كي – شو الملوك الأغراب ) ولعلهم سموا الملوك الرعاة لشدة كره المصريين للرعاة كما جاء على لسان يوسف لإخوته.. وفيه ذكر لكون لبنان من إرث الرب يعطيه لبني يهودي, مدعي الحق مع أهل الأرض .
لا عهد مع العهد :
الحرب في القبائل فيما بينها , أمر عادي وإن تحالفت ولكن الحرب بين الحضر والرحل على حوافي الأرض العامرة فلا تتوقف إلا بالغلبة. ومرات توقفت القلاقل بأن يسيطر الحضر على العشائر الرحل. وتستعبد هذه العشائر, كلما تفسخ حلفها , وتعود التحذيرات التي يمسخها اليهود بأن يؤكدوا أن الله غضب لأن بني إسرائيل ضربوا عهوداً مع الحضر فذهبت ريحهم, ومعاهدة الحضر يعني للكتاب اليهود عدم الطاعة للإله يهوى الذي أكد لهم بأن لا يقطعوا عهداً لأهل الأرض, وهكذا كانوا يستعبدون إذا تعاهدوا مع الناس أياً كانوا . وتكون عملية إرضاء الإله يهوى في التجمع وإعادة التحالف والزحف على إحدى المدن لتخريبها ولإبسال كل نسمة حية فيها . ومع أن عماليق كان قد ضرب منذ أيام موسى وأبسلت الحياة فيه , نجد أن عماليق ابن عمون يستعبدون إسرائيل في سفر القضاة . كما سنرى أن هامان وزير أحشويروش ملك الفرس عماليقي أيضاً ؟!
قضاة:
كان القضاة يرأسون الحلف, ويبدو أن الأمر كان دورياً بينهم, أو أنه كان يعطى لأشدهم بأساً. ويصدف أن يكون لجميع أعضاء الحلف نصيب في المنصب, ولكن القضاة , على غير المألوف, ورغم نصيحة لابان الكنعاني بان يؤخذوا من أفضل الناس, قضاة الفكر اليهودي كانوا من السفاكين الإجراميين ولعل هذه القدوة هي التي تجعل من بن غوريون ومناحيم بيغن اللذين تنافسا في الإجرام قطبي الدولة اليهودية في فترة من فترات القرن الماضي .
فهذا أهود بن جبرا البنياميني يذهب إلى ملك موآب حاملاً هدية. ويدعي أنه يحمل كلاماً من الرب إلى الملك عجلون فيخلي الملك مجلسه لكي يستمع إلى كلام الرب فيضربه أهود بالسيف الذي كان يخفيه على جنبه الأيمن لأنه أعسر. وبعد أهود هذا قام شمجر بن عناة ( عناة اسم آلهة سورية قديمة ) فقتل ستمائة رجل فلسطيني بمساس البقر .!
وهذه امرأة يأوي إليها أحد الملوك في هربه فتأويه وحين يغفو تأتي بوتد فتدقه في صدغه فيموت, ويرضى يهوى بهذه الخيانة النكراء ويقدس المرأة ويبارك بيتها ويحميها إسرائيل كما حمى بغي أريحا. وكما يحمي البغاء الحالي السياسي اليوم , بواسطة هيئة الأمم المتحدة ( هيكل سليمان ! ) ومجلس الأمن ( المجلس الكهنوتي الأعلى ) لخدمة اليهود .
نشيد دبورة :
في الفصل الخامس من سفر القضاة نشيد بذكر أسباط الحلف ويدل على أن الأساطير والأقاصيص الشعبية المدونة بمسخ يهودي تكتشف اليوم في ماري ورأس شمرا وجبيل ... الخ . لتؤكد أنه ليس لليهود نصيب إطلاقاً في أرضنا الجنوبية, ففي النشيد ذكر لعشائر من الحلف كانت في أماكن لم تكن لها في الزمن الذي تدعيه التوراة في متناقضاتها .
أقصوصة جدعون:
كان مع جدعون هذا بنو منسى وبنو أشير وبنو زبلون. فنزل ليحارب بني مدين. وسأل الله فأجابه بأن أنزل الندى على جزة الصوف التي وضعت في العراء ليلاً , ذلك لأن جدعون كلم الله في أمره فأعطاه علامة الندى على جزة الصوف. واصطف رجال جدعون عشرين ألف رجل مخترط سيف ( في حين يقول الكاتب أن إسرائيل كانوا في مذلة وأن مستعبديهم منعوهم من معاطاة الحدادة , فكانوا يصلحون سككهم عند الفلسطينيين ) ورأي جدعون أن العدد كبير , فنادى بأمر الله بالشعب أن يرجع كل خائف فرجع عشرة آلاف , وكان العدد بعد كبير, وعطش الشعب جداً , فقال الله ( دائماً الله يتكلم بكل شيء بالرموز ) . خذ الشعب إلى الأردن ليشرب, ففعل جدعون وبأمر الله أرجع كل من جثا على ركبتيه ليشرب, وأخذ معه الذين عبوا الماء بأكفهم لإرواء العطش, وكان عدد هؤلاء ثلاثمائة فقط , وبهذه الثلاثمائة قتل جدعون حوالي مائة وخمسين ألفاً من رجال العدو !!! ؟ واستراحت الأرض أربعين سنة ! والحقد اليهودي يجعل جدعون يأتي بالملوك وبالشعب المعادي له فيجمع شوكاً من البرية ويضعه مع أسراه في البيادر ويسير عليه نوارج محددة .
مثل هذا الأمر لم يسجل مثله في مجمل ما اكتشف من أساليب المقاتلين , لكن اليهودي المستعبد في ضواحي بابل للحصاد ولأعمال البيادر كان يتمنى لو أن تحت النورج الذي يدرس به الحنطة شوك وأجساد أعدائه. وهكذا ليبرهن أنه يطيع أمر (( إله الآباء اليهود ! )) وبعد موت جدعون انفصمت عرى الحلف وأبرزت كل قبيلة عبادة إله أجدادها فعبدوا البعل وعناة وعشتروت .. الخ . وغضب يهوى .
وحاول اليملك ابن يربعل أن يصبح سيد إسرائيل فقتل إخوته السبعين أبناء يربعل سيد شكيم , وقام رجل آخر ولكنه كان قاضي يساكر هذه المرة , وقام بعد قضاة , لكن الله باع الشعب للفلسطينيين فاستعبدوهم حتى جاء يفتاح الجلعاوي وهو ابن امرأة بغي , ورئيس جماعة البطالين للسطو , فاستنجد به بنو إسرائيل فأنجدهم وأصبح قاضياً عليهم. ويفتاح هذا قدم ابنته ذبيحة للرب لأنه كان قد نذرها ؟ ! وكما احتج بنو أفرايم على جدعون لأنه لم يدعهم للقتال احتج هؤلاء على يفتاح . ولا بدع أن تسري الأقاصيص عن العمل بمعزل عن أفرايم لأن هذه القبيلة كانت الأقوى. ومثل هذه الأقاصيص تفعل في البداوة حين تشتد المنافسات بين القبائل ! ولكن جدعون أرضى الأفراميين فسكتوا . أما يفتاح فحاربهم وقتل منهم خلقاً كثيراً , بالخدعة , وذلك أن ربطوا مخاوض الأردن وكمان كلما مر رجل يقولون قل ( شبولت ) ويظهر أن الأفراميين كانوا لا يحسنون لفظ هذه الكلمة فيعرفون ويقتلون. هذه قصة بني يهودي ضد أفرايم . والقصة كتبت بعد السبي . وبعد الحرب الآشورية الأفرائيمية التي بينت قوة هذه القبيلة تجاه ذل بني يهودي الذين كانوا يحاولون أن يجعلوا من أنفسهم أبطالاً فذلوا وشتتوا .
شمشون :
أذل الرب إسرائيل أربعين سنة للفلسطينيين, وكان في قبيلة دان ( من الحلف ) امرأة عاقر . فتراءى لها ملاك الرب في الحقل وبشرها بغلام يخلص الشعب ولا تعلو رأسه موسى.. فكان شمشون. ولعل قبيلة دان – دان إيل - ( أي دينونة الإله إيل ) ! والاسم لا يزال عندنا حتى اليوم دانيال بدال ( دان إيل ) لعل قبيلة دان كان لها أسطورة شمشون ابن المرأة العاقر المولود بإذن الله! ويمسخها اليهود في توراتهم. فإذا بشمشون , أو شمس أون ( الإله أون ) يقوم بعملية, كم اشتهاها اليهود في عبوديتهم في الزمن المستطيل, شمشون يجمع ثلاثمائة ثعلب ربط في أذنابها المشاعل وأطلقها في مزارع الفلسطينيين أيام بدء الحصاد فأحرق الزرع !! وقتل المئات بلحي حمار ( فك حمار ) ورمى الفك أرضاً ولما عطش خرج من الفك ينبوعاً شرب منه . لكن هذا الشمشون أحب بغياً , ولم تكن هذه البغي( دليلة اليهودية ) وفية له هذه المرة فأسر هذا الجبار المولود بإذن الرب وكان في السجن يدير حجر الطحن.. وشمشون هذا هو صاحب القول (( علي وعلى أعدائك يا رب )) . احتفل الناس وأتوا بشمشون ليتفرجوا عليه, فوضع يديه على عامودي البيت وهدمه. فقتل في موته أكثر مما قتل في حياته ! المهم الانتقام, وكل أسطورة انتقام يجب أن تكون غذاء للنفسية اليهودية.. أما العبرة الحسنة عبرة أسطورة الدانيين قبيلة دان إيل , عن أن الرجل حتى ولو كان من الذين بشر بهم الملاك للمرأة العاقر وحتى وإن كان إله الشمس أون في اسمه وأفعاله الجبارة, تذله المرأة الغريبة وتنتزع البغي قوته وتعميه وتسخره وتجعله سخرية الناس. أما هذه العبرة من هذه الأقصوصة فلا مكان لها عند أرباب البغاء لبني يهودي. فالحقد فقط هو المغزى الذي يرونه في كل أسطورة سورية. فيشعل شمشون الزرع بطريقة لا تحصل إلا في مخيلة اليهودي. ويهدم البيت على رأسه ورأس الآخرين . المهم أن تغذى النفسية اليهودية بالحقد الدائم وبالانتقام من أي نوع ! .
صاحب هذه الأسطورة التي مسخها اليهود يتولى في نظرهم وفي تسجيلاتهم القضاء في بني إسرائيل كما يزعمون , وكل حقود يوليه اليهود. قياساً لمراكز التوجيه عندهم , فما أحقر شمشون اليهود الممسوخ عن شمشون دان إيل .
ميخائيل :
وميخائيل الذي قلب إلي ميخا في تسجيلات عباد يهوى في الزمن الأخير, ميخا هذا أصبح قاضياً لإسرائيل , وكانت طريقه أنه سرق من أمه ألف ومائتي مثقال فضة, واستأجر بطالين وعاث إفساداً فرفعه اليهود بالكتابة إلى رتبة القضاء, وميخا هذا من أفرايم أيضاً , كل ما هو لأفرايم وما هو لبنيامين من الأقاصيص مسخ.
عبرة :
أقصوصة التعدي على امرأة عابرة سبيل في قرية جبع بنيامين جعلت القبائل تحارب بنيامين وتفنيه, لعلها أقصوصة كما مر معنا من أقاصيص تركيز المناقب, لكن اليهود يحشونها , لكي يتخذها بنو يهوذا أدعياء داود وسليمان كما سنرى للتنديد ببنيامين عشيرة الملك شاوول أول ملوك حلف قبائل الجنوب وآخر من اجتمعوا معه في حلفهم القديم... إن قصة المرأة التي أخذها شباب جبع بنيامين من زوجها وأذلوها ( تعللوا بها ) حتى ماتت , فيها زيادات يهودية, فمجرد الزنا كان يكفي للقصاص , أما اليهودي مسجل القصة فقد مسخها , فلم يكفه الزنا العادي, فهذا لا يشكل شيئاً , فجعل المرأة عرضة لمتعة رجال القرية كلهم طوال الليل حتى ماتت, فقطعها زوجها وأرسلها إلى أعضاء حلف القبائل حتى ثاروا على المرتكبين.. ومن كثر القصص شبيهاتها ومن قوانين الكلدانيين والكنعانيين نعرف أن مجرد الزنا كان يكفي لقطع الزاني من الشعب فلا يتحمل الشعب إثمه أمام الله . ما أسمى العبرة . وما أحط ما يتصوره اليهود .. ويقدره !!
إبسلوا كل نسمة حية ليرضى عنكم يهوى! :
أقاصيص سفر القضاة تتابع المسخ اليهودي للأقاصيص الشعبية التي كانت معروفة في النقب, والأخبار التي سمعت في السبي, وهذا سفر هو أبعد ما يكون عن الفائدة في أخد أخباره أساساً حتى في درس الأساطير. لكنه تتمة ممتازة لحلقات الكشف عن النفسية اليهودية التي بدأت بموسى بقتل المصري غيلة, لأن المصري كان يحسبه ابناً بالتبني للقصر الفرعوني , ثم بجعله أداة انتقام حقود من المصريين لم يثبت منه أي شيء في مكتشفات الحفريات المصرية. وفي قصص جدعون, وشمشون , ويفتاح الجلعاوي , والخزي البنياميني الزاني في كل هذه القصص حشو يهودي الصبغة النفسية. أما قصة غضب يهوى لأن شعبه لم يطع أمره بإبسال جميع كل الأماكن التي دفعها إلى أيديهم, أما قصة هذا الغضب فهي القصة الدائمة التي تتردد عشرات المرات في التوراة.. (( إبسلوا كل نسمة حية )) ... (( لا تقطعوا لهم عهداً )) . يهوى يضرب الشعوب من أجل اليهود بأفظع ما يمر في أذهان الحقودين المكدودة . وهكذا يستمر المسخ والحشو في هذه الأقاصيص , يهوى يحقد, يغضب , يساعد الزنى والبغاء , يبارك الوحشية والغدر, يندم على ما يعمل , يغدر بالذين يحالفهم, هذا هو يهوى في تتابع سفر القضاة , والقضاة سفاكون سفاحون سفهاء ..الخ . فسفر القضاة حلقة واضحة للنفسية اليهودية المخربة الإجرامية الحقود.
ملك القبائل :
صموئيل هو أيضاً ابن لعاقر كانت تتحمل تحقير ضرتها لها . فالضرة كان لها أولاد , وأم الأولاد تفاخر الضرة العقيم. صلت العاقر فأنجدها الله بأن فتح رحمها فولدت ابناً نذرته للرب , ووضعته في الهيكل في شلو ( في خيمة تابوت العهد ) . وكان الكاهن عالي يعتني بصموئيل ( أي سماع إيل سمع الله أو استجابة الله لأنه ولد استجابة للنذر ) . أما أولاد عالي الكاهن فكانوا يصنعون الشر وكانوا يفرضون على الذين يصعدون المحرقات أتاوات , ويباشرون النساء الخادمات أمام خيمة المحضر. (( وكان ظهور الله قليل في تلك الأيام )) ... ومات عالي فأخذ مكانه صموئيل ولم يكن من سبط لاوي بل هو أفرائيمي . وقلد صموئيل أولاده القضاء في إسرائيل فلم يكونوا مستقيمين مثل أبيهم , (( وصرخ الشعب إلى الرب لكي يقيم لهم ملكاً )) ! وهكذا تقول الأقصوصة ومن البديهي أن تكون هذه القبائل المتحالفة المتخاصمة دائماً , قد رأت أن ملكاً يضمها يساعد في رد الضربات المتتابعة , الإجماعية والإفرادية عنها . ولعل صموئيل وشيوخ القبائل ارتأوا أن يكون الملك من سبط بنيامين لأنه الأضعف .
وتسير القصة بأن أتناً لوالد شاوول ضاعت فذهب شاوول للتفتيش عنها . فرآه صمؤيل ومسحه ملكاً وأعلنه للشعب في اجتماع دعي إليه , وأكد لهم أن الله استجاب طلبهم فجعل لهم ملكاً وقد مسحه صموئيل رجل الله (( رجل إيل لا يهوى كما يظهر من اسمه )) ونجح شاوول في قتال مع الفلسطينيين فقبله الجميع ملكاً حتى بني يهوذا .
غضب يهوى :
في أقصوصة قيام النظام الملكي في هذه القبائل ما يكشف جانباً جديداً في نفسية كتاب الأقاصيص في التوراة, ويلقي نوراً ساطعاً حصرياً على قدسية المخاتلة والتضليل في قواعد السلوكية اليهودية الانحطاطية.. فهذا صموئيل يتلقى من الرب يهوى أمراً لينقله إلى شاوول . إن العماليقيين (( عماليق )) ضايقوا اليهود في الصحراء , فليذهب إليهم شاوول لقتاله ولإبسال الحياة في تلك القبيلة. ولكن شاوول لم يأتمر . فغضب يهوى. بل إن غضب يهوى حمي جداً لأن شاوول لم يكن قادراً على محي العماليق من الأرض , وفي حمو غضب يهوى جاء إلى صموئيل وقال له لقد ندمت على اختياري شاوول ملكاً . غضب شاوول لأنه قبل أن يقطع عهداً لعماليق, وندم الله حتى ظهر الغضب في وجهه. واسترد عهده لشاوول بأن يجعل ذريته ملوكاً على إسرائيل إلى الأبد .. ألا نرى اليوم كيف يحنث اليهود بكل عهودهم إقتداءً بيهوى الذي ندم مرات على أعمال كان يقوم بها ؟ ألم يكن حنث يهوى بيمينه متسبباً دوماً من عدم إطاعة اليهود أوامره بأن لا يقطعوا عهداً وبأن لا يتركوا نسمة حياة في الأرض التي يطمعون بها ؟ لقد غضب يهوى واسترد عهده لشاوول, فركب الروح الشرير شاوول .
إن كاتب أقصوصة شاوول وداود هو من بني يهودي حتماً ولعل هذه القبيلة المجهولة الأصل التصقت بعشيرة يهوذا فأصبحت من أدعيائها , أو لعل اليهود ادعوا أقاصيص التوراة جملة وحشوها بما تنم عن نفسيتهم , كما مر معنا في الفصول السابقة. فشاوول بنياميني وعلى أنقاض ملكه أتى داود الذي يدعيه سبط يهوذا . وكل شيء يدل على أن قبيلة اليهود بني يهودي المجهولة الأصل سمح لها بالرعي في قبيلة يهوذا فكانت طوال مئات السنين اللعنة على هذا السبط وعلى الحلف كله ! .
استغابة :
ومهما كان الأمر فإن يهوى استغاب شاؤول أيضاً. فما كاد يغضب عليه حتى حمل صموئيل إلى بيت من بني يهوذا بيت يسي, وهناك مسح داود بن يس ملكاً على إسرائيل . وأقسم أنه سيخرج من صلبه مخلصاً, ولم يعلم شاؤول بالأمر بل كايده مكايدة, واستغابه . وصموئيل غضب أيضاً لأن شاؤول لم يتورع عن تقديم الذبيحة أمام الله في المصفاة في غياب صموئيل المقصود, فغضب صموئيل فلا يكون تقليد بل يكون القائد هو الذي يتصل بالله مباشرة دون وساطة صموئيل . وكاتب هذه الأقصوصة يضفي على صموئيل أبشع ما في النفسية اليهودية فهو مع أنه كان ماسح شاؤول ووسيطه عند يهوى فإنه كان يعمل لداود من وراء ظهر شاؤول !
إن كتاب أقاصيص شاؤول وداود وما جاء بعدهما من أقاصيص وأخبار , إما أنا يكونوا يهوداً من العبريين الذين ادعوا سبط يهوذا من أجل داود وسليمان وأورشليم وملوك يهوذا , أو أن يكونوا من كتبة قصور ملوك بابل أو فارس أخذوا الأخبار من هؤلاء ثم زاد اليهود فيها حشواً من الزمن المتأخر, يدلنا على هذا ما لاحظنا وما سيلاحظ القارئ في أخبار داود ومن أتى بعده في أورشليم حتى السبي البابلي ثم الشتات النهائي, وسيلاحظ ما لاحظنا .
ولعل قصة صموئيل لداود هي أيضاً من الحشو, فسفر القضاة لا يذكر داود مسيحاً, بل يتكلم عنه بما يدل على معنى اسمه, فقد بينت حفريات ماري أن لفظة داوود وجمعها داؤديم تعني رئيس فرقة من المرتزقة يطلق عليه في ذلك العهد لفظة داوود, وداود الذي اغتصب الملك من شاؤول وبيته كان رئيس مرتزقة خدم الفلسطينيين ثم خانهم أبشع الخيانات, ولما اغتصب ملك شاؤول ادعاه بنو يهودي , وأكدوا أنه كم صلب يس , وعزوا إليه في قصة مكتوبة بعدة أوجه قتل جالوت الجثي وسموه جالوت الفلسطيني, وسنرى هذه المداخلات في بحث نفرده لداود وسليمان ولما في أخبارهما من ادعاءات كذبتها المكتشفات الحديثة.
محاولات فاشلة :
رأينا في الفصول السابقة كيف يحاول اليهود بعد أن بدأت تنكشف خدعتهم, بأن يؤرخوا إسرائيل بالمقارنات وكيف يجاهدون لأخذ أي خبر في التوراة له شبيه تاريخي فيجعلونه موضوع مقارنة, لكن جميع هذه المحاولات تبوء بالفشل الذريع. وأصبح كتاب العهد القديم من بني يهودي من أشد المتسترين على تسجيلات التوراة, فقد اعترف بعضهم بأنها مجموعة أساطير تعود إلى عهد داود أي إلى بداية الألف الأول قبل المسيح.فهم يحسبون داود قد ملك عام 1004 قبل المسيح على القياس وليس في المكتشفات ما يؤيد هذا الزعم, فمزاعم كتاب قصة داود يكشف زيفها أديم أرضنا.
إن اتخاذنا في هذا البحث الرأي القائل بأن القبائل الجنوبية أقامت حلفاً فيما بينها واتخذت الإله يا-وي إلهاً لها , إن اتخذنا هذا الرأي الذي يساعد المنطق على إقراره هو الذي يجعلنا نأمل بأن يعمد طلاب العلم والباحثون إلى إبراز ادعاء اليهود بأنهم هم مجمل الأسباط في الجنوب في الفترة الزمنية حين دخل اليهود إلى أرضنا. فقد دلت المكتشفات أن قبائل الجنوب كانت من القبائل العديدة التي أتت بلادنا وذابت فيها أو التي نزحت من الشمال إلى الجنوب. أما اليهود المجهولي الأصل والمصدر فهم أدعياء, ولهذا نلاحظ أنهم يتشددون اليوم بتسمية دولتهم إسرائيل في حين يفاخرون بداود وسليمان المزعومين لسبط يهوذا .
لسنا نؤرخ :
نحن لا نكتب نقداً تاريخياً في هذا الموضوع. فله من طلبة التاريخ من سيدرسه لكشف الحقائق ولفضح جميع ادعاءات اليهود ومزاعمهم. نحن نبحث قواعد السلوكية اليهودية في متابعة كيفية ادعاء ومسخ الأساطير والأقاصيص الشعبية, وفي إبراز الحشو اليهودي فيها .
لقد خدع اليهود العالم طويلاً , حتى أنهم ادعوا أن عيسى ابن مريم, ابن لداود مستفيدين من حشو وضعوه ومن بعض العيسوية وبعدها .. لقد ادعوا إثماً أن عيسى وهو من روح الله كما أوحى لمحمد والذي هو روح الله المتجسد كما تؤمن الشعوب المسيحية, ادعوا أن عيسى- المسيح- هو من صلب داود مع أنهم ينكرون شخصه وتعاليمه ويحقدون أشد الحقد عليها. فالذين يدعون كل أمر حتى عيسى المسيح, في تضليلهم. والذين يفهمون يهوى كما فهم السوريون الآلهة منذ العصر الحجري الأول المتقدم, والذين يقدسون أساطير يمسخونها فإذا بهم مجموعة قيامات تشكل قواعد سلوكيتهم , هؤلاء الذين ينحدر ساستنا إلى حد التفاهم معهم ويخدمهم نفر من أبناء أمتنا في ممارسة البغاء الغبي في سدة الحكم وفي مواخير المال والسياسة والفجور .
هذا هو شعارهم:
لا تبقوا على نسمة حية في الأرض بل إبسلوا كل المدن والقرى ولا تبقوا مقيماً أو شريداً .
لا تتركوا قباحة إلا واستخدموها , بذلك يرضى يهوى وتعودون إلى الأرض التي طرتم منها .
لا تتركوا خديعة, ولا تتركوا بغياً أو خائناً إلا واستعملوه لأن يهوى هيأه لكم
لا تتركوا واحدة من الأمور التي أمرتكم بها يقول يهوى
وكل ما آمر به فظيع ومروع, لكي لا تقذفكم الأرض التي تأتون إليها
هذه هي قواعد السلوكية اليهودية التي نبشنا من توراتهم عشرات الأمثلة منها .
وهذا هو شعارنا:
أما نحن أبناء هذا الشعب وهذا الوطن فلن نغش بعد اليوم . لن نثق بعهد أو وعد من وعود اليهود أو من مساندي اليهود
نؤمن بقدسية أرضنا, سنطهرها مرة أخرى , ونؤمن بأن حقنا في أرضنا لا يمكن أن ينازعنا فيه منازع , ولن نترك هذا الحق لمغتصب .
لن نقطع لهم عهداً , وسنقطع رجسهم من أرضنا التي قدستها الآلهة لنا منذ أن كنا على هذه الأرض.
لن يكون من أرضنا شبر لغير أبناء أمتنا ووطننا (( الأمة الفلسطينية )) .
هيكل أورشليم
دولة القبائل في الجنوب:
الدولة في العصر التاريخي تستند في بدئها على أساس ديني, وقد وضع ابن خلدون في مقدمته الأسباب التي تحول دون نشوء الدولة في العرب ومن في حكمهم ( أي في البداوة ) إلا على أساس دعوة دينية وبداية نشوء الدولة في القبائل الجنوبية, الرحل, كان بدعوة الهيئة, ولم تقبل فيها إرادة القبائل الممثلة في سلطات شيوخهم, فالحلف الذي سمي حلف قبائل إسرائيل كان مكوناً من مجموعتي قبائل الجنوب أحدهما حلف القبائل جنوبي الخط الممتد من عبر الأرض الشرقي إلى البحر ماراً بجوار أورشليم ويدعى حلف يهوذا.. وتخوم هذا الحلف الجنوبي كانت تتسع أحياناً إلى ما وراء بئر السبع إلى خط يصل إلى قبالة غزة. وكان جنوبي هذا الخط أيضاً قبائل الجنوب المجتمعة في حلف العماليق. والمجموعة الثانية من هذه القبائل كانت قبائل الشمال في حلف إسرائيل, وكانت مدينة الحلف الجنوبي المقدسة تدعى حبرون ( الخليل ) أون المقدسة للإله أون , ومدينة حلف الشمال المقدسة بيت إيل , المقدسة للإله إيل .
وكانت عبادة الآلهة الأخرى المعروفة في سوريا في ذلك الزمن شائعة فلكل قبيلة آلهتها ولكل مدينة إله تعبده وكانت القبائل في عقد الأحلاف تعقدها باسم آلهتها أو باسم أحد الآلهة التي تتفق عليها وكان ذلك شأن المدن والممالك المدنية. وتدل الأساطير التي وصلت إلينا في التوراة وغيرها أن حلف قبائل الجنوب التي كانت تتعبد للإله إيل وللإله أون (( عليون )) أورشليم عقدت حلفها الإثني عشري باسم ياوي – قوة الإله وياوي كان إلهاً معروفاً في سوريا الجغرافية كلها بدليل الأسماء الدالة على التعبد له.
كانت الملكية نظاماً قديماً جداً في سوريا يعود إلى الزمن الأسطوري وهذا النظام كان الوسيلة الأفضل في ذلك الزمن لجمع القوة التي ترهب وتسيطر, ومن منطق الأمور أن تبدأ القبائل الرحل بالتفكير في إقامة نظام ملكي تشبهاً بالمجموعات الشعبية التي كانت قد وصلت إلى قمم حضارية وأسوة بالمدن الكنعانية التي كانت هذه القبائل تنتقل للمرعى في براريها , وفي التوراة أدلة من أقاصيص القبائل تجعل أمر الانتقال من عصر التصرف القبلي حيث تتفرد القبائل بالغزو وبالاعتداءات واحدتها على الأخرى, إلى عهد التجمع في نظام ملكي يؤمن من القوة المتجمعة مع الملك سلطة تمنع الغزو البابلي الداخلي وتحفظ السلام بين القبائل أو إحداها .
وتقول الأساطير التوراتية أنهم تغلبوا على حلف القبائل المعقود على اسم إيل (( إسرائيل )) مرات وتفكك الحلف وعادت القبائل إلى عبادتها . وتركت الحلف الذي تقدس قوة الله ( ياوي: قوة الله ) فضج الشعب من العبودية وطالب بالنظام الملكي.
وأول ذكر للملكية نجده في سفر القضاة . فمن أساطير هذا السفر الإصحاح 6-8 منه نجد أن بعض هذه القبائل وهي أكبرها وأعزها قنس و أشير و زبلون ونفتالي قد اجتمعت بأمر من الله لكسر النير, كان جدعون جد – ع – أون ( اسمه للإله أون ) يدرس القمح في المعصرة هرباً من مستعبدي إسرائيل . فجاءه الرب وكلمه وأمره بأن يجمع مقاتلين ويهاجم ففعل وانتصر. فغضبت القبائل التي لم تدع للاشتراك في القتال. فأجاب جدعون بأن بعضهم قاتل منفرداً أو مع قبائل أخرى ولم يقيموا للحلف وزناً, وطلب الشعب أي شعب الحلف من جدعون أن يملك عليهم, فأبى الرجل لأن الملك يجب أن يبقى لإله الحلف ياوي.
وقام بعد جدعون أحد أولاده فقتل إخوته وملك في شكيم مدة قصيرة لكن أهل شكيم ثاروا عليه وقتلوه. وعادت القبائل إلى الصراع فيما بينها , وكان للخارجين على التقاليد القبائلية حظاً في التسلط , فهم يفتاح الجلعاوي وشمشون ... الخ.
شاؤول واسمه يدل على التعبد للإله إيل , شائيل , فهو من قبائل الشمال, من بنيامين وقصة مسح شائيل ملكاً على إسرائيل متعددة الأوجه في أسفار التوراة والمهم هو أن قيام عرشه كان بأمر إلهي أنكره الكثيرون من رجال القبائل واستنكروه. ولكن سيف بنيامين كان ضامناً لإخضاع القبائل للملك البنياميني , ولم يوجد في المكتشفات الجيولوجية حتى اليوم, ذكر لهذه العائلة المالكة, أو لهذه القبائل دولة, وما يهمنا من هذه الأقصوصة, انطباقها على منطق سير الأمور في البداوة التي كانت ميزة هذه القبائل في عصر بلغت فيه سورية قمماً عليا في الحضارة, في حين دخلت القبائل الرحل إلى الجنوب إلى حيث أصاب الضعف مدن الكنعانيين.
والأهم أن قبيلة العبرانيين اليهود ذكر في هذه الأقاصيص كقبيلة غريبة مستضعفة في موضعين فقط في التوراة, مع أن اليهود يدعون أساطير التوراة ويقدسونها , ويتحجرون في مفاهيمها العائدة إلى العصر الحجري المتأخر.
تقول الأقصوصة, عن شاؤول أن ابن رجل جبار ذي بأس أضاع دابته فذهب للتفتيش عنها مع غلام واحد له , وهذا للدلالة على أنه كان ذا بأس ومر بقبيلة يخشاها قطاع الطرق, في طريقة مسحه صموئيل ملكاً على إسرائيل,بعد أن كان قد حذر القبائل من الملكية ومتطلباتها, وملك هذا البنياميني حلف القبائل وظهر على بعض مراكز الفلسطينيين , ولم يكن له مقر لملكه عاصمة معروفة, لكنه شان الملوك الآخرين جمع جيشاً له. وكان جيشه من المرتزقة ومن جميع القبائل شأن الملكية القبلية.
وتسير أقصوصة شاؤول لتؤكد أنه أصيب بمس في عقله ونصح له ناصحوه بأن يأتي بضارب على آلات الطرب لتهدئة أعصابه في أوقات تأزم حالته النفسية, وكان الضارب شاباً من يهوذا , داود بن يس الذي خلفه الملك. وكان لشاؤول ابن على الجيش يدعى يوناثان وهو الوحيد الذي يدل اسمه على أنه مكرس لإله حلف إسرائيل ياوي , ولعل اسمه يوناثان قوة الله ياوي وثانية أون .
قتل شاؤول وابنه في معركة مع الفلسطينيين بعد أن قضى زمناً يطارد فيه داود, حتى طرده إلى أرض الفلسطينيين وبعد موت شاؤول انشقت المملكة فوراً فكان على حلف الشمال حلف إسرائيل أحد أبناء شاؤول إشبعل ( مكرس للبعل ) في حين ملك على قبائل الجنوب حلف يهوذا داود. ولشدة تمسك هذه القبائل بآلهتها اتخذ داود مدينة حبرون ( حبر- أون ) عاصمة له واتخذ إشبعل بيت إيل عاصمة له على حد ما جاء في التوراة اليهودية.
قصد بداية الملكية في قبائل هذا الحلف هي القصة التي تدور حول داود. فهذا الملك هو رأس لعائلة مالكة استمرت في الحكم, حسبما تقول التوراة طوال قرون , كان مدى ملكها يتسع ويتقلص وفقاً للإدارة الإلهية التي كانت تسلط على المملكة قوات داخلية وخارجية.
من هو داود هذا ؟ سؤال لم يرد عليه أي جواب يصلح أن يكون سجلاً تاريخياً, كل ما قيل عنه وفيه, هو هذه الأقاصيص المدونة في التوراة, وأقدمها حديث بالنسبة لأيام داود التي تدل على أن رافقت القرن العاشر قبل الميلاد, ولم يتمكن المؤرخون حتى اليهود منهم الذين ادعوا داود وإسرائيل, من الإتيان بأي شاهد تاريخي ( من غير التوراة ) يمكن اعتماده لإثبات هذه الأقاصيص, وبالرغم من ذكر كتبة ومسجلين عند داود وسليمان لم يبق من أخبار داود وسليمان إلا أقاصيص بعيدة العهد عن داود وسليمان والزمن الذي يحدد لملكهما, وليس بعيداً أن تكون التسجيلات التي جمعت في التوراة مأخوذة من خزائن ملوك بابل عن الملوك والحروب في الجنوب وقد ادعى أهل السبي في القرن السادس قبل الميلاد هذه الأخبار فأضافوها إلى ما كان جار على الألسن فأثبتت متناقضة ومختلفة وجمعت في أسفار التوراة في عهد متأخر جداً بعد السبي بقرون. فجميع هذه الأقاصيص التوراتية كتبت باللغة الآرامية والحرف الفينيقي منها وما جاء في العهد اليوناني ودونت باليونانية مما يدل على حداثة العهد بها .
داود , لفظة آرامية شمالية وجدت في حفريات ماري للدلالة على قادة المرتزقة, أي أولئك الذين كانوا يقودون المحاربين والمأجورين إما لحسابهم هم أو لحساب مستأجر يدفع الأجر عيناً من الغنائم أو نقداً من خزائن المستأجر أو من كليهما معاً. وينطبق مفهوم هذه اللفظة على داود رأس العائلة المالكة في حلف يهوذا من قبائل الجنوب هذه . ومن التوراة سفر القضاة يستفاد أن قادة المرتزقة كانوا يصلون إلى السلطة في حلف هذه القبائل, فأقصوصة يفتاح الجلعاوي وشمشون وسواهما ( ابن جدعون المذكور فوق ) هي دليل على أن السلطة كان للأقوى بين القبائل المرتزقة. وليس بدعاً أن تكون قصة داود هذا هي مجموعة أقاصيص داؤديم ( جمع داود ) قادة مرتزقة كثر جمعت لداود واحد هو داود التوراة ملك حلف قبائل إسرائيل. ويستدل على ذلك من تسجيلات التوراة نفسها, بعد ما أصابها من تنقيح وتحوير لتصل إلينا بنصها الحالي .
ففي سفر الملوك عن داود ما يخالف ما جاء في سفر صموئيل والقضاة , فهو عازف جيء به من أجل طرد الروح الشريرة الذي جذب بها الرب شاؤول . وهو جبار بأس في أقصوصة أخرى قتل جالوت الجثي, وفي التوراة نفسها خبر رجل غير داود نفسه قيل عنه أنه قتل جالوت الجثي هذا .
وقصة داود مع شاؤول تختلف باختلاف الكتاب. وأهم هذه القصص قصة زواج داود بابنة شاؤول , وهناك زواج عندما كان داود قائداً على جيش شاؤول, وهناك زواج آخر بعد موت شاؤول وخيانة قائد جيش ابنه إشبعل لحساب داود. وكانت الخيانة بسبب غضب الملك إشبعل على قائد جيشه , وجيش أبيه قبله لعلاقة القائد بإحدى سراري الملك الأب .
وأهمية قصة الزواج وهل كان قبل هرب داود أو بد مسحه ملكاً في حبرون على قبائل الجنوب , ترتكز إلى حق الإرث في ملك دولة قبائل الشمال الإسرائيلية.
داود هذا هو رجل بأس في إحدى الأقاصيص, وهو راع لغنم أبيه في إحداها ولكن ما نذهب إليه نحن فهو أن داود هو أحد قادة المرتزقة وقصة داود الملك هي مجموعة أقاصيص عن داؤديم ضيف إليها أخبار بدائية تتضح لقارئ أخبار داود ملك يهوذا .
يبدو أن قبيلة منسى كانت أقوى قبائل حلف يهوذا كما كانت قبيلة بنيامين أقوى قبائل إسرائيل, وكانت ضمن التنافس البدائي تحفز القصاصين لوضع أقاصيص هجاء ومديح, عادة القبائل , وتمتاز أقاصيص الفترة التي تنافس فيها القصاص في مدح داود وذم شاؤول بمتناقضات تخرج هذه الأقاصيص من مرتبة الأساطير , ولكنها ترتفع بها إلى مرتبة الأحداث التاريخية. ولكنها في حالتها المعروضة في التوراة تدل على بداوة رافقت هذه القبائل إلى زمن السبي البابلي . كما أنها تعطي برهاناً على التحجر اليهودي حول أقاصيص بدائية حتى في القرن العشرين بعد الميلاد المسيحي .
ولقصة, أو لمجموعة القصص المعزوة لداود , أهمية خاصة فداود هذا قد نقل عاصمة مملكة يهوذا إلى أورشليم المدينة الكنعانية القديمة, كما سنرى وله يعود اليهود في ادعاءاتهم الحديثة. وهو في نظر المؤرخين اليهود بداية الفترة التاريخية التي يعتمدها اليهود مرتكزاً لتعليل ادعائهم بحق مكتسب في أرضنا, يرجعونها وهماً ودجلاً إلى الإله يهوى الذي ادعوه إلهاً لهم, اختارهم ليحكموا شعوب الأرض من مدينة أورشليم المقدسة التي هي مدينة شليم أو شلوم الحكمة أو السلام والسلامة. فهي المدينة المقدسة لدى كنعانيي الجنوب وهي مدينة الحرم والسلام لم تكن الجيوش تدخلها محاربة إلى من أعداء خارجين على عبادة الله الأعظم
داود الملك من خدمة الفلسطينيين إلى الملك ؟!
كان داود وهو في خدمة الفلسطينيين , في خدمة أخيس يغزو من صقلع ( غير معروف مكانها الآن) قبائل النقب وبرية سيناء الموالية لأسياده, وفي أقاصيص التوراة أنه كان يقتل جميع أفراد تلك القبائل (( فلا يفلت منه من يخبر بأعماله )) وكان يرسل ما يحصل عليه من الغزو إلى شيوخ قبائل يهوذا, فإذا صحت هذه الأقاصيص, فإنها لا تدعم الزعم بأن داود الملك من قبائل يهوذا, فهذا القائد المرتزق كان مكلفاً بحماية الطريق وباسكات القبائل القوية في حلف يهوذا, ولعله كان يصبو إلى ملك كالكثيرين من قادة المرتزقة في ذلك الوقت المضطرب . وكان عارفاً, منذ أيام خدمته لشاؤول أن قبائل الجنوب يهوذا, ليست على اقتناع بملك رجل بنياميني عليها, فحاول أن يعمل على استمالتها فيرضي الفلسطينيين من جهة, ويستجلب شيوخ القبائل من جهة أخرى. إنها عملية تصح في القادة المرتزقة, ويمكن أن تكون قد حصلت مع أي داود آخر غير الداود الذي ملك في أورشليم وعزيت إليه هذه الأقاصيص التوراتية.
ويبدو من أساطير التوراة أن الفلسطينيين لم تكن لهم عادة استخدام المرتزقة في حروبهم شأنهم شأن الآراميين. وعادة استخدام المرتزقة كانت متبعة عند الفينيقيين منذ زمن بعيد, ثم انتشر استعمالها في البلاد كلها , وانتقلت هذه العادة إلى اليونان, وهذه العادة سببت لليونان متاعب كالمتاعب التي سببتها للكنعانيين, ولعل شاوول تنبه للأمر فأقصى داود هذا عنه فالتحق بالفلسطيني أخيس, ولهذا أبى الأمراء الفلسطينيون أن يصعد داود معهم لمقاتلة شاوول فأرجعوه. ولعل هذه القصة موضوعة في الزمن المتأخر أيضاً لإقناع الإسرائيليين أتباع شاوول بأن داود لم يشترك في قتالهم, كما أنه لم يقاتل حلفاءهم الجنوبيين من حلف الجنوب, بل على العكس قاتل أعداءهم في النقب وبرية سيناء, حين كان في خدمة أعدائهم الفلسطينيين, وكان يعطي السبي لشيوخ حلفائهم بني يهوذا .
وإن تمكن داود في حبرون فور وصول أخبار قتل شاوول لا يعدو أن يكون بمساعدة الفلسطينيين, محاولة منهم لشق القبائل إلى الحلفين الأصليين, على يد شاوول, فشق الحلفين والأمل بعودة هذه القبائل إلى حروبها القديمة كان مما يسهل للفلسطينيين تثبيت السيطرة على الخط التجاري ويعطل الأمر على منافسيهم الصوريين الكنعانيين وكان من السهل أن يملك داود في قبائل الجنوب, فهو قائد مرتزقة , والقبائل في حالة ذعر بسبب ما أصاب جيشها مع شاوول, ويذهب بعض ( مؤرخي التوراة ) إلى القول بان داود هذا قد ملك في الجنوب بأمر الفلسطينيين, ولعله لم يمسح ملكاً فور تسلمه هذه المهمة. بل مسح بعد أن تأكد للفلسطينيين أن تمليكه في الجنوب يضعف نهائياً بيت شاوول وبالتالي القبائل الشمالية الموالية لصور.
إن عدم قبول الفلسطينيين صعود داود معهم لمقاتلة شاوول , وقبول داود أن يحارب شاوول وهو يعمل لحساب أخيس, يدل على أن هذا القائد ومرتزقته لم يكونوا من القبائل, ومهما حاول كتاب التوراة أن يضعوا من أقاصيص عن وقوع شاوول في متناول داود وتركه دون أذية لأنه ( مسيح الرب ) فإن سجلات التوراة تدل على عكس ذلك, وكونه عميلاً للفلسطينيين جعل حيرام ملك صور يستدرجه للعمل لصور. فأغراه بالملك على قبائل الشمال بعد أن ضعفت سطوتها بموت شاوول ويوناثان قائد جيشه في جبل الجلبوع بهذه المعركة. وتملك داود في الجنوب كانت ضربة قاضية على تجارة صور. ونجح حيرام في خطته هذه , ولعل أبنير بن نير قائد جيش المرتزقة عند شاوول وابنه إشبعل من بعده, كان رسول حيرام إلى داود من أجل هذه الغاية ولهذا شق على داود أن يقتل أبنير بن نير على يد قائد جيش داود يوآب غيلة, وقد حقد داود على يوآب فعلته هذه وأوصى بقتله بدم أبنير . ( اسم أبنير اسم غير يهودي عبراني . إنه آب- نور . نور الإله آب – نور الله - , اسم كنعاني ) .
سقط شاوول إذاً وهو يدافع عن طريق التجارة الصورية القديمة جداًَ, فهذه الطريق تعود إلى ألفي سنة على الأقل قبل عهد داود هذا, وكانت من أسباب الحروب بين الكنعانيين والمصريين الذين حاولوا مرات عديدة أن تصبح هذه الطريق في يدهم هم لتأمين التجارة البرية بين سورية الوسطى والشرقية وبين مصر والعربة وحتى اليمن وما ورائها من جنوبي غربي آسيا وبين مصر. فطرق التجارة هذه كانت شرايين الحياة ومصادر رغد العيش لمن يسيطر عليها, وقد دلت الحفريات في بيت شان ( تل الحصن اليوم ) على تبادل الأيدي المصرية الكنعانية عليها, وبيت شان هي إحدى الحصون التي تحمي الطريق بين عبر الأردن الشرقي وما يليه وبين الموانئ البحرية الفينيقية ( والفلسطينية في زمن التدهور- النصف الأخير للألف الثاني قبل الميلاد المسيحي ) .
الأقاصيص التوراتية تدل على أن بيت شاوول بقي في الحكم, وهذا يعني أن هم الفلسطينيين لم يكن الملك أو الفتح للتوسع, ولعلهم كانوا أضعف من لك بدليل النصر الساحق الذي أحرزه الملك داود عليهم بمؤازرة الصوريين بعد ثمان أو عشر سنوات فقط من عودتهم للسيطرة على الطريق التي كان يحميها شاوول لمصلحة صور.
قصة المفاوض أبنير بن نير سجلت على وجهين, الأول أنه جاء إلى داود بن حبرون, كان أبنير قائد جيش إشبعل ابن شاوول, وقد أحب إحدى سراري الملك شاوول,فأغضب ذلك الملك إشبعل , فأنب أبنير فغضب أبنير وجاء إلى داود, تفاوض معه على أمر دقيق هو أخد ابنة شاوول (( ميكال )) من زوجها . ولكن يوآب عرف بالأمر بعد عودته – وكانت المفاوضة قد جرت بغيابه فأرسل من يعود بأبنير ومال به قرب باب المدينة وضربه بالسيف فقتله. والوجه الثاني للقصة أن أبنير جلب ابنة شاوول ميكال , من زوجها وسلمها لداود , وفي زواج داود من ميكال قصتان : إحداهما أن داود تزوج ميكال في أيام أبيها مكافأة له على قتله جالوت الجثي الجبار , والأخرى أنه تزوجها بعد موت أبيها والثانية أقرب إلى طبيعة سير الأمور, فزواج داود من ابنة الملك كانت المقدمة لوراثة الملك بعد تنفيذ المخطط , فأبنير يمكن أن يكون قد اغتيل بمؤامرة لإضعاف إشبعل أو إرضاء للفلسطينيين من قبل يوآب .
ويسير سياق القصة ليسجل أن داود اغتاظ جداً من قتل هذا المفاوض, ففي القتل تحد لحلفائه الصوريين ولقبائل الشمال. وتظهر السلوكية اليهودية في هذه الأقصوصة فإذا بداود يلبس المسوح ويبكي أبنير, ويقيم له مأتماً يليق بالقائد المفاوض.
وكان لمقتل أبنير أثره في الملك إشبعل فارتخت يداه, واستمر العمل الصوري مع داود, فقتل إشبعل على يدي اثنين من الجنود المرتزقة, كلاهما كنعاني من بيروت, وبمقتل إشبعل انتهت فترة تملك العائلة البنيامينية , ولكن عمل داود في محو هذه العائلة استمر حتى لم يبق منها بائل بحائط , ليضمن الملك له ولذريته بعده كما سنرى.
كل هذه الأقاصيص لم يوجد ما يؤكدها إلا ازدهار صور في بداية الألف الأول قبل الميلاد, وتعدد الصور والمتناقضات في الثورة اليهودية لا يمكن أن يصلح مرتكزاً لبعد عهد الذين كتبوا التوراة عن هذه الحوادث. وما أخذه اليهود في سبي بابل, وفي مصر بعد شتاتهم مسخ وتحوير. وفي ما تكشفه الحفريات دليل على هذا المسخ, ولكننا مع أخذنا هذه الأقاصيص مدار بحثنا هذا نجدها تبعد القبيلة العبرانية نهائياً وكلياً عن أبطال هذه الأقاصيص الشعبية , وتؤكد الرأي بأنه ليس ولم يكن لليهود أي نصيب في هذه القبائل وأقاصيصها وتسجيلاتها.
على ألسنة الشعب قصائد رثاء أو مديح أو صلاة, وفي سبي بابل تعلم أبناء قبائل إسرائيل ويهوذا عدداً من الأشعار إلى جانب ما كانوا يعرفون . ومن هذه المراثي ما قاله البنيامينيون بملكهم شاوول حين سقط على جبل الجلبوع في الدفاع عن طرق التجارة التي تؤمن للقبائل الكسب والعيش وتضمن تصريف إنتاجهم وشراء ما يحتاجون إليه وهذه المرثاة مدونة في سفر صموئيل . لكن الكتاب يعزونها إلى داود نفسه وهي ليست له .
ملك إشبعل في محنايم ( مدينة لم يعرف مكانها بعد ) . كمنا أنه لا يعلم لماذا اختار تسمية قصة ملك إشبعل مدينة محنايم عاصمة له. إن اختيار حبرون ( حبر- أون ) مكاناً لداود (( ملك يهوذا )) كان بسبب كون المدينة مقدسة لقبائل يهوذا ولقربها من المكان المقدس لإبراهيم ممراً ومغارة المكفيلية ( وتسمى اليوم حرم الخليل ) حيث قيل أن إبراهيم الخليل دفن امرأته ثم دفن هو. أما محنايم فيقال أنها في شرقي مقاطعة حلف إسرائيل على مقربة من يابيش جلعاد . وهنالك أقصوصة عن أهل يابيش هي أنهم, بعد أن قتل الفلسطينيون شاوول وعلقوه على أسوار مدينتهم , جاء أهل يابيش ليلاً فسرقوا جثة شاوول وجثة يوناثان وحملوهما إلى مدينتهم ودفنوهما هناك بما يليق بالملك. ويستفيد كتاب أخبار داود من هذه القصة, فيجعلون داود يكافئ أهل يابيش على عملهم هذا, في حين أن إشبعل لم يكن قد تنبه إلى وجوب الالتفات إلى الذين كرموا أباه بعد وفاته, وفي قصة تمليك داود أوجه: منها أن صموئيل كان قد مسحه ملكاً في أيام شاوول وقبل مقتل جالوت الجثي الجبار. ومنها أنه ملك دون مسح, ومنها أن شيوخ قبائل يهوذا مسحوه في حبرون.
وتسير قصة داود الملك في اتجاه الأحلاف مع الجشوريين والعمونيين من القبائل الآرامية المتمركزة في الجنوب وفي جنوب غربي دمشق. وتزوجه القصة ابنة تلماع ملك الجشوريين وتجعل منه حليفاً للعمونيين. ثم تجعله يتغلب على هؤلاء وعلى سواهم بحد السيف, المهم هو أن يتمكن كتبة التوراة اليهودية الذين هم من قبائل يهوذا, ومن أن يؤكدوا أن ملك داود قد امتد فعلاً, ولا بدع فإن مجمل قصص الفتوحات والمصاهرات عزيت لداود الملك , ثم أكد الكتبة أن داود قد اختاره الله ووعده بأن يملك ذراريه العالم كله.
ومهما يكن من أمر هذا الداود , وسواء أكان شخصاً قد ملك فعلاً أو كان موضوع أقاصيص جمعت حول قائد من قادة المرتزقة الذين كثروا في ذلك الحين, فإن ما تؤكده التوراة اليهودية فيه حشو من النفسية اليهودية, نفسية الحقد والتآمر. فداود الملك وصل إلى الملك في إسرائيل على أثر كارثة حلت بقبائل الشمال على يد الفلسطينيين بموت شاوول وأولاده في القتال. وكان سبيل الوصول إليها خيانة أبنير بن نير لسيده الملك إشبعل, وقتل أبنير غيلة على يد يوآب قائد جيش داود في حبرون . وقتل إشبعل نفسه على أيدي اثنين من جنود المرتزقة من الكنعانيين, ثم قتل هذين الجنديين على يدي داود تغطية للمؤامرة بحجة أنهما مدا أيديهما للملك. وقد جعل كتاب هذه القصة خيانة أبنير مزدوجة.. فهو قد خان الملك مع إحدى سرايا أبيه الميت ولما اكتشف أمره خانه مع داود لنقل الملك جملة من بيت شاوول .. بسبب حبه لإحدى السرايا . !
إن متناقضات التسجيل بالرغم من التصحيحات العديدة تجعل من قصة وصول داود إلى عرش شاوول في قبائل الشمال خليطاً يدل إذا صح منه شيء على أن أبنير كما جاء فوق كان لمفاوضة داود على ترك الفلسطينيين والعمل لمصلحة صور. وأغرى داود الصوريون بعد تملكه ببناء مدينة في جبل صهيون قرب أورشليم المدينة الكنعانية كما أغروه بمحالفة العمونيين والجشوريين لتأمين الطريق التجارية.
أحس الفلسطينيون بهذه العملية الخطرة ولكن بعد فوات الأوان. ولعلهم لم يشعروا بما حصل إلا بعد أن أصبحت قوافل تجارتهم تلاقي مصاعب في الطريق, فجمعوا جموعهم لتأديب عميلهم المارق, واحتلوا بعض نقاط الطريق ومنها بيت لحم. وحشد داود جيشه في (( ادولام )) وهناك قصة تقول أن داود طلب أن يشرب من بئر ماء بئر بيت لحم قرب باب المدينة, وتطوع ثلاثة من محاربيه فشقوا صفوف الفلسطينيين وجلبوا له ماء. وأبى داود أن يشرب الماء وأراقه على الأرض تقدمة لله, وحارب داود الفلسطينيين مرتين فقط, وكسرهم كسرة كبرى, ولم يعد هؤلاء للقتال ضد القبائل. فقد انكسرت شوكتهم وأصبحت القبائل حليفة للصوريين- الكنعانيين . ولم تذكر التوراة هذا الحلف على أهميته لأن ما ذكر من تحريض يهوى ضد الكنعانيين لا يتوافق مع ما حصل فعلاً في قصة داود الملك ولكن الحلف ذكر في قصة سليمان.
ولعل أهم ما حصل في هذه الفترة هي عودة العهد المقطوع بين القبائل الإثني عشر : قبائل يهوذا الست وقبائل إسرائيل الست . وتقول أخبار التوراة أن تابوت العهد كان في بعلة في أيدي الفلسطينيين فجمع داود جيشه كله: ثلاثين ألف محارب وهاجم بعلة وأخرج منها تابوت العهد ليصعده إلى مدينة داود قرب أورشليم.
إن هذه القصة التوراتية التي جاءت على ذكر تابوت العهد بعد أن سكتت عن ذكره, إن هذه القصة بالغة الأهمية فعلى أسس هذه القصة يراكم اليهود ادعاءاتهم بأن أورشليم هي عاصمتهم الدينية وأن الله قدسها من أجلهم. وعلى أسس هذه القصص الواهية يصر اليهود اليوم على جعل أورشليم عاصمة لدولتهم المؤقتة.
لقد تمكن الصوريون من تأمين طريق تجارتهم ومن جعل القبائل تستكين فلا تعرقل أعمال التجارة. ونجحوا في كسر شوكة الفلسطينيين وقطع دابر ( الداؤديم ) قطاع الطرق التجارية فعادت إلى أورشليم مكانتها كمدينة وسطية على ملتقى طرق التجارة من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق.
لكن أقاصيص هذه الأعمال كانت منبع ادعاءات القبيلة العبرانية في شتاتها بعد القرن السادس قبل الميلاد. وهذه الأقاصيص هي مصدر الخديعة اليهودية التي نقاسي منها اليوم.
أورشليم:
أور لفظة آرامية قديمة وتعني الباحات أو المدينة .
وشليم : ساليم . تعني السلام أو الحكمة. وسلمون سلام- أون تعني حكمة الإله أون , وسلامه , وإله الحكمة هو إله السلام.
ولهذا ذهبنا ونذهب في الاستدلال كما سنرى أن مدينة شليم أوي أورشليم كان المدينة المقدسة لله العلي . والعلي هو الله في المقامات العشر عند الموحدين من أبناء أمتنا الذين أسلموا لله بالحكمة.
أورشليم – مدينة مقدسة:
إذ كانت الأساطير التوراتية لا تصلح قاعدة لبحث تاريخي فهي على الأقل , قد حفظت بعض الأساطير والأقاصيص الشعبية البدائية التي انتشرت في جنوب غربي سورية وتناقلتها الألسن فزادت عليها وحورتها. ثم تناولتها الأقلام اليهودية بعد سبي بابل وفي القرون المتأخرة فمسخت ما مسخت وطبعت بعض الباقي بالنفسية اليهودية الحقود المريضة بمركب النقص. مركب نفسية العبد يدعي أمجاد أسياده وينفث حقده عليهم. ومن هذه الأساطير نجد أن قدسية أورشليم سبقت أحلاف إسرائيل بزمن بعيد جداً.
أول ذكر نجده في المكتشفات التاريخية لأورشليم هو في لوحات تل العمارنة في مصر. وقد وجدت في هذه اللوحات رسالتان من سيد أورشليم عبد حيقا في حوالي بداية الألف الثاني قبل الميلاد المسيحي . وقد قامت المدينة في ذلك الزمن بدور هام. ثم خفت أهميتها من الوجهة الحربية وسمت من الوجهة الدينية.
أول ذكر لأورشليم في التوراة جاء مع ذكر إبراهيم الذي يدعيه اليهود أباً لهم. وقد أوضحت المكتشفات هذا الادعاء بما لم يعد قابلاً للتأويل. فالأساطير التوراتية تقول أن إبراهيم جاء من أور الكلدانيين . وأور هي بلدة أبي قير في سورية الشرقية العراق . ( !!!!!!!!!!!!!!!!!) وتدل الحفريات على أن مدينة أبي قير كانت مزدهرة في القرن الثالث قبل الميلاد. ولنا استخلاصات من هذه الأسطورة. ما دامت المكتشفات لم تؤكدها بعد. فإما أن تكون القبائل الإبراهيمية قد نزحت جنوباً بعد كارثة حلت بأبي قير وحملت معها الأفكار والعبادة التي تعودوها , أو أن كتاب أقاصيص حلف إسرائيل بعد السبي أو قبله قد جعلوا إبراهيم أباً لهم وقال إنه أحد الكلدانيين بعد سيطرة الآراميين على أوساط سورية وجنوبها في حوالي 1100 إلى 600 قبل الميلاد المسيحي.
جاء في التوراة أن إبراهيم بعد أن أرجع ما سباه الغزاة من أخيه وحلفاء أخيه في سدوم وعمورة, خرج للقائه فيمن خرج ملك أورشليم ملكي صادق. (( وأخرج هذا الملك خبزاً وخمراً لأنه كان كاهناً لله العلي )) . قدم ملكي صادق خبزاً وخمراً ولم يقدم ذبائح لأنه كان كاهناً لله العلي . ومكتشفات جبيل تدل على أن هذا السمو في تفهم التقدمة كان أمراً كنعانياً منذ أواخر القرن الثالث قبل الميلاد ولا غرو أن المدينة المقدسة كانت إحدى مدن الكنعانيين الحضارية القديمة.
ويتابع نص التوراة ( نسخة كاثوليكية ) واخرج ملكي صادق خبزاً وخمراً لأنه كان كاهناً لله العلي وبارك أبرام قائلاً : تبارك أبرام من الله العلي مالك السموات والأرض, وتبارك الله العلي الذي دفع أعداءك إلى يديك... وأعطاه أبرام العشر من كل شيء.. فأورشليم كانت مدينة مقدسة لله العلي (( مالك السموات والأرض )) منذ عهد إبراهيم أي منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد المسيحي. وقبل حلف إسرائيل بما لا يقل عن خمسة قرون. وقبل مجيء القبيلة اليهودية ( من مكان مجهول حتى الآن ) بحوالي ثمانمائة إلى ألف سنة. إن ممارسة هذا الطقس الكهنوتي من قبل ملكي صادق كاهن الله العلي, ومباركة هذا الكاهن العظيم لأبرام وأخذ عشر كل شيء منه, تدل على أن أورشليم كانت المركز الأعظم للعبادة الراقية منذ زمن الإبراهيميين. وإن أبرام لم يكن من عباد إله هو إله قبيلة على بساطة وبدائية البداوة, وبدائية إله القبيلة الواحدة , وإنه كان من عباد الله العلي (( مالك السموات والأرض )) . فيصح بهذا أن يباركه كاهن الله العلي ويأخذ منه عشر المردود من السبي . ثم يبارك الله العلي الذي دفع أعداء أبرام إلى يديه, فالله , يدفع إلى أيدي عباده أعداءهم الذين لا يعبدونه أو الذين يسخطونه, وهذا ما أكدته الأبحاث في الأديان السماوية في أرضنا كلها.
وتقديم الخبز والخمر قائم حتى الآن في المسيحية , وقد أخذه المسيحيون عن العشاء السري , العشاء الأخير, الذي تناوله المسيح مع حواريه, فكسر خبزاً وقال له خذوا كلوا هذا هو جسدي وقدم خمراً وقال اشربوا من هذا كلكم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد. وإذا كان المسيح قد وجد في تعاليمه على (( رتبة ملكي صادق )) فإن تقديمه الخبز والخمر رمزاً للذبيحة الجسدية الدموية ما يدل على سمو ما كانت وصلت إليه العبادة في عهد ملكي صادق في حوالي أوائل الألف الثاني قبل الميلاد. وهذه دلالة ليست على تقديس أورشليم فحسب بل على رقي الشعب السوري ( الكنعانيين ) الحضاري في ذلك الزمن السحيق. وفي التوراة أقاصيص أخرى حفظت, رغم حقد اليهود , فيها دلالة على السمو الحضاري في البلاد.
في قصة أبرام هذه أن أبرام وصل إلى وادي الملك.. وخرج إليه ملكي صادق وقدم له خبزاً وخمراً وباركه. لم يدخل أبرام مع محاربيه إلى أورشليم وهذا ما جعلنا نؤكد أن أورشليم كانت المدينة المقدسة التي لا يدخلها المحاربون منذ زمن إبراهيم, وهكذا كانت مكة المكرمة ولا تزال حتى يومنا هذا. وطقوس تقديم الذبائح حاربها عيسى المسيح فكانت في تعاليمه على مرتبة ملكي صادق- الصدوقيين . ولم يقبل بمذهب الذبيحة الدموي لله.
سبق قصة مباركة إبراهيم على يدي ملكي صادق قصة أخرى تدل على قداسة أورشليم وعلى سمو العبادة فيها, والقصة عن إبراهيم نفسه, وهي وإن جاءت في التوراة بعد القصة الأولى , تدل على أنها سابقتها في سير الأسطورة, وفيها دلالة على بدء إقلاع قبائل الإبراهيميين عن تقديم الذبيحة الإنسانية للآلهة, وقد سجلت الأقصوصة في سفر التكوين الإصحاح 22 وهذا سياقها :
(( وكان بعد هذه الأمور أن امتحن الله إبراهيم فقال له : إبراهيم , قال : لبيك . قال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق وامض به إلى أرض الموريا واصعد هناك محرقة على أحد الجبال الذي أريك )) وذهب إبراهيم مع بعض عبيده وابنه اسحق إلى جبل الموريا , وهيأ الحطب وربط ابنه ليقدمه محرقة.. ومد إبراهيم يده وأخذ السكين ليقدم ابنه.. إبراهيم كان رأس القبيلة أو القبائل. وكان هو الذي يقدم الذبائح الإنسانية لله , وجاء دوره ليقد بكره وكان وحيداً ومن المفروض أن يقدم الرئيس ابنه في المكان الأكثر تقديساً على جبل أورشليم أعلى جبال المنطقة وأقدسها لله ولكن الرب تراءى له وعلمه كيف يقدم الكبش فدية , ضحية, بدلاً عن ابنه. وهكذا تم . وانتقلت في أورشليم على يد إبراهيم عادة القبائل في تقديم الأبكار ذبائح لله . إلى عادة تضحية كبش بدلاً عن البكر , ويلا يبعد أن تكون هذه الحادثة التي تعلمها إبراهيم في أورشليم جعلته يتعبد لله العلي على طريقة كهنوت ملكي صادق أي عدم ذبح الأبكار من البشر لله .
وهكذا كانت تعاليم موسى الكنعانية تقد أبكار الحيوان وليس أبكار البشر. أما الله الذي كلمه هذه المرة فهو أحد أبناء البشر طبعاً. فالذين يقدمون النصح العالي كانوا يدعون ملاك الله , أو (( الله)) في السرد التوراتي ,دائماً.
إن قصة فداء اسحق يحب أن تكون قد حصلت إذ كانت قد حصلت فعلاً ولم تكن إحدى أساطير التطور من ذبح البشر إلى ذبح الكباش- قبل تقديمه عشر السبي وتلقي بركة ملكي صادق.
وفي الأساطير التوراتية أدلة أخرى على قداسة المدينة ففي سفر الخروج بقايا أنشودة عن أورشليم قيلت على لسان موسى ولعلها لعهد موسى انتحلها اليهود وحشوها من أفكارهم في العصور المتأخرة ما مسخها , ونحن نثبت ما جاء في الإصحاح 15 من سفر الخروج مما يدل على قدسية المكان... (( هديت بحكمتك ( سلامك ) الشعب الذي فديتهم ( لعله الفداء من الذبيحة البشرية أو من عدو بشري ) أرشدتهم بعزك إلى مأوى قدسك.. تأتي بهم فتغرسهم في جبل مراثك , في الموضع الذي أقمته يا رب لسكناك المقدس الذي هيأته بذاك يا رب . الرب يملكك إلى الدهر والأبد )) .. إنه الرب العلي (( مالك السموات والأرض )) هذا الذي ترفع إليه الترنيمة وليس إله قبيلة يسير معها من مكان إلى مكان, وهذا القول السامي يحشوه اليهود بما اختلقوا من أسطورة شق البحر لأن كلمات النشيد فيها ذكر للبحر وقوة الله الذي يوقف المياه كالحائط إذا شاء .
ومن الأدلة على قدسية المدينة أن القبائل التي اجتمعت في حلف يهوذا وإسرائيل وتمكنت في سياق حوالي 400 سنة من السيطرة على مدن قائمة في الجنوب في زمن الانحطاط في النصف الثاني من الألف الثاني قبل ميلاد المسيح, أن هذه القبائل لم تحارب يوماً أورشليم, وعلى هذه أدلة توراتية عديدة أهمها ما جاء حول تملك داود في أورشليم.
وقد جاء في سفر يشوع الإصحاح 15 .. بعد تعداد المدن التي استولى عليها أبناء القبائل بقيادة يشوع.. أما اليبوسيون الساكنون في أورشليم فلم يقدر يهوذا على طردهم (( بنو يهوذا حلف قبائل جنوب أورشليم ) .
وفي سفر القضاة (( وبنو بنيامين لم يطردوا اليبوسيين من أورشليم وسكنوا معهم إلى هذا اليوم. ( ولعله يوم كتابة عزرائيل للتوراة بعد السبي 450 ق.م ).. ولم نجد في التوراة ذكر لأخذ أورشليم إلا في مكان واحد ثبت أنه حشو في سفر القضاة الفصل الأول.. وحارب بنوا يهوذا أورشليم وأخذوها بحد السيف وأحرقوها بالنار !
وفي نفس الإصحاح العدد 23 نجد : (( أما بنيامين فلم يطردوا اليبوسيين من أورشليم )). تناقض واضح من أساطير وأقاصيص مجموعة ومنها ما هو مختلق في الزمن الأخير.
ولعل القصة التالية هي الأوفر في توكيد عدم السماح لأبناء القبائل بالدخول إلى أورشليم (( يبوس)) ومن هذه القصة يمكن أن نفهم أمرين: (( الأول احتقار بعض القبائل لللاويين خدام المرتفعات والانحطاط الخلقي الذي يكرسه كتاب التوراة في أسباب الحروب القبائلية. و القصة هي ما سجل في سفر القضاة الإصحاح التاسع عشر عن رجل من اللاويين ( سبط لاوي ) ذهب يفتش عن امرأة كانت سرية له وهربت منه. وبعد أن وجدها عند أبيها عاد بها إلى مكانه, وفيما هو في الطريق مقابل يبوس وكان النهار قد مال كثيراً قال له غلامه لنمل إلى هذه المدينة ( أورشليم ) ونبيت فيها فأجاب الرجل, لا نميل إلى مدينة غريبة حيث لا أحد من بني إسرائيل هنا. وتسير القصة لتسجل قباحة حصلت للرجل في مدينة جبع التي كانت لبنيامين. ولا غرابة في تسجيل مثل هذه القصة والقباحة على بنيامين من قبل منافسيهم على الملك وعلى حق السيادة بعد انتقال الملك من شاوول البنياميني إلى داود الذي ادعاه سبط منسى من حلف يهوذا .
بعد هذه الأدلة على أن أورشليم كانت مقدسة لله العلي قبل أن يوجد يهودي على أرضنا بمئات السنين نتقدم الأدلة على أن ادعاء اليهود هو كادعائهم حقاً في الأرض ادعاء باطل أصلاً . والخديعة اليهودية التي لا تزال سارية في العالم المسيحي والإسلامي اليوم بأن المدينة قدست لداود يجب أن يردها السوريون, مع العلم بأن لا نصيب لليهود ولا بأي أمر آخر كما تبين لنا فوق .
أورشليم تعود للازدهار :
لم تقتصر أهمية أورشليم على كونها مدينة السلام ومسكن الله العلي , بل إنها كانت في زمن الازدهار الكنعاني معقلاً لحماية طرق التجارة بين الموانئ البحرية والداخل من جهة وبين الشمال والجنوب في الطرق المتحدرة إلى مصر. وفي زمن الانحطاط الذي امتد من أواسط الألف الثاني ق. م إلى أوائل الألف الأول ق.م اقتصرت أهميتها على أنها مدينة مقدسة يقصدها العاني والملهوف, ويصعد إليها جميع السكان في الجنوب لتقديم الذبائح لله العلي, وقد تنبهت القبائل البدائية إلى هذا الأمر, فكان لهم أيضاً مدن للسلام يقصدها المضطهدون لسلامتهم ولنا من مكة المكرمة مثال باق.
في حوالي القرن الحادي عشر ق.م وفي الزمن الذي سجلت عنه التوراة أقاصيص عن حرب القبائل مع سكان الشواطئ الفلسطينيين اشتد التنافس على تأمين طرق التجارة بين الفلسطينيين والفينيقيين. ولكن الطرق كانت لا تزال شديدة الخطر بسبب انتشار قطاع الطرق, وقد سجلت التوراة أسماء عدد من قادتهم , يفتاح , شمشون مثلاً , وكان هؤلاء القادة المرتزقة البطالين أسياد المكان إلى عهد شاوول, ولم يذكر مع شاوول قائداً من هذا النوع إلى داوود واحد هو الذي ملك بعده. ومن غير الممكن أن يعرف أصل هذا إلى (( داود )) فقد عزاه كتاب التوراة إلى فتاة من جث أتت مع حماتها إلى بيت لحم وأقامت نسلاً لبعلها الذي مات , ولا يمكن على هذا أن نتعرف إليه وإلى أحد بالضبط.
كانت المعركة بين الفلسطينيين وشاوول في سهل غافق من أجل السيطرة على الطريق بين القدس وحيفا وعكا في المنخفضات التي تسير فيها الطريق اليوم, ولعل شاوول كان ميالاً للاتفاق مع جيران الشمال الكنعانيين الفينيقيين . ولهذا حاربه داود وهو في خدمة الفلسطينيين في الجنوب.. فشاوول قد مات وهو يحار لمنع سيطرة الفلسطينيين على طريق التجارة هذه.
وقد تنبه الفينيقيون إلى أهمية هذه المشادة بين داود وبين شاوول في المدة الأخيرة بعد موت شاوول . ولهذا نرى أن حيرام ملك صور يعقد صداقة مع داود هذا ويقد لهم الخشب والعمال الفنيين لبناء بيت داود الملك في أورشليم , ولعل البرهان على صحة ما نذهب إليه في هذا القبيل هو أن اللذين قتلا إشبعل ملك إسرائيل, ابن شاوول هما من الكنعانيين الفينيقيين من بيروت وكانا من فرقة المرتزقة في خدمة إشبعل , كما مر معنا.
ملك داود في حبرون سبع سنوات , كان ملكاً على مجمل قبائل حلف يهوذا إسرائيل, وبني داود مدينة داود على المرتفع خارج أسوار أورشليم, فالمدينة كانت محرمة عليه, ولكنه وجد مخرجاً لهذا التحريم , كان المخرج كنعاني الخطوط, ولعل حيرام ساهم فيه لتأمين حل آخر يقوم في وجه الطريق المر قرب أورشليم, وكان الحل مرضياً من الوجهتين السياسية الدينية.
فمن الوجهة السياسية لم تنضم أورشليم إلى مملكة يهوذا وإسرائيل , بل بقيت مملكة منفصلة وأصبح داود ملك يهوذا وإسرائيل ملك أورشليم, وإلى جانب هذا التدبير السياسي حصل تدبير سياسي آخر فيه دلالة واضحة على أن أمر أورشليم سوي دون قتال . وإن قصة دخول يوآب المدينة بالحرب ليست ذات موضوع, بل إنها من وضع المتأخرين بعد السبي وفي زمن سكانها الأصليين, والتدبير السياسي الآخر هو اشتراط اليبوسيين دخول داود ورجال بلاطه فقط إلى المدينة, على أن يبقى دخولها ممنوعاً على رجال القبائل وجنود المرتزقة, وبقي هؤلاء خارج أسوار المدينة في المدينة التي بناها داود لنفسه.
أما التدبير الديني فكان متناسباً مع أهمية المدينة ورفعة العبادة والكهنوت فيها , وذلك أن الكهانة لله العلي استمرت في أورشليم في أيدي الصدوقيين أبناء ملكي صادق وأدوني صادق المذكورين في التوراة وقد مر ذكرهما فوق وحين استتب الأمر لداود وأتى بتابوت العهد من حبرون لم يدخله مدينة أورشليم إلا ليضعه في جناح هيكل الله العلي حيث بقي, وكان اللاويون كهنة من المرتبة الدنيا بالنسبة للصدوقيين كهنة الله العلي. أما الذبائح فكانت تقدم على جبل المريا عند البيدر حيث تراءى الرب لداود ورفع الوباء عن الشعب عند مدخل أورشليم في هذه الأقصوصة يدل على أن قداسة أورشليم كانت مصدر أقاصيص وأساطير تؤكد قدسيتها في نظر الشعب .
ملك واحد للقبائل ولأورشليم أمر يعد حدثاً تاريخياً لو صح كما جاء في التوراة , ولعل الأصح هو أن اليبوسيين الكنعانيين سمحوا للملك بالسكن في مدينتهم بعد أن حالف حيرام الكنعاني الفينيقي ملك صور. وكانت سكن الملك وحاشيته من دون السماح للشعب من القبائل والجنود بدخول المدينة, تحتفظ قدسية المدينة وتعيد لها الازدهار الذي فقدته بعد فقدان الكنعانيين السيطرة على مجمل الأرض بسبب تغلغل القبائل وبسبب الحروب المصرية من جهة والآرامية – الكلدانية – الآشورية من جهة أخرى . حربان خارجية وداخلية أنهكت الكنعانيين فتقلصت سطوتهم وتمددت سطوة القبائل الرحل حتى احتلوا بعض المدن العامرة أيضاً , وليس في البداوة مفهوم للتجارة الراقية فكان من جراء سيطرتهم على طرقها أن انقطعت الطرق.
حاول الفلسطينيون , كما يبدو من تسجيلات التوراة أن يعيدوا الكرة للسيطرة على الطريق التجارية بعد أن ملك داود. فداود كما مر معنا , كان عاملاً للفلسطينيين . وقد حارب قبائل سيناء وحمى الطريق الجنوبية من الشاطئ الجنوبي الغربي على البحر المتوسط إلى البحر الأحمر . وأمن قبائل يهوذا لمصلحة الفلسطينيين, ومن أجل هذه الخدمات ساعده الفلسطينيون في البداية على انتزاع الملك من عائلة شاوول, ويبدو لنا أن إرجاع رؤساء الفلسطينيين لداود في حربهم الأخيرة مع شاوول , أغاظه وكان في ذلك بداية الانفصال عنهم فعاد إلى صقلع حتى أتاه خبر انتحار شاوول في الميدان مع ابنه يوناثان فاغتنمها فرصة تقدم فيها إلى شيوخ قبائل يهوذا وملك عليهم. وكان داود هذا قد تمكن من استمالة بعض هؤلاء الشيوخ, وهو عامل للفلسطينيين, بالعطاءات والهدايا. ومثل هذا الأمر كان مستخدماً من قبل عمال المستعمر مع بعض قبائل وطننا وشيوخهم إلى زمن قريب من يومنا هذا .
لم تذكر التوراة أن الفلسطينيين حاربوا داود الملك وهو ملك على يهوذا فقط, ولهذا نذهب إلى القول بأنه كان لا يزال حليفهم. وكان بيت شاوول حليفاً للكنعانيين الفينيقيين . ومن هنا بدأ الصراع الخفي بين صور من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى على السيطرة على طرق البر التجارية, ويبدو أن تمليك داود على إسرائيل بعد مقتل إشبعل أبرز الخطر للفلسطينيين فشنوا حملة على داود لم تكن مركزة. فدحرهم وانهزموا أمام فرق المرتزقة التي كان يقودها هو. وجمعوا جموعهم مرة أخرى و حاربوه في الطريق إلى أورشليم من جهة عكا. محاولين منعه من الاتصال بالجبال شمالي الطريق, لكنه أتاهم هذه المرة من جهة الشمال. ولا يستبعد أن يكون ملك صور قد أنجده بفرق من مرتزقته, وفي هذه المعركة تفرق شمل الفلسطينيين , ولم نعد نسمع عن حروبهم في التوراة, مما يدل على أن هزيمتهم أما حلف صور والقبائل كانت شنعاء.
وما يجدر التنبيه إليه هنا هو قصة الحنان ابن عياري من بيت لحم الذي قتل جالوت الجثي الجبار . وكان رمح جالوت الجثي كنول النساجين, هذه القصة عزاها الكتاب المتأخرون إلى داود نفسه, لكي يؤكدوا نسبه وأن أصله من بيت لحم, والقصة نفسها تعزى إلى أخ لداود اسمه يوناثان. وقد قتل في معركة في جث نفسها جباراً كان له ست أصابع في كل من يديه ورجليه. هذه القصة المتعددة المصادر والأبطال تساعد على توكيد قولنا بأن داود لم يكن إلا قائد مرتزقة. وليس مؤكداً أنه من القبائل, ولعله كان من محترفي الحرب من سكان المدن الكنعانية في الأصل . وقصة الحنان من بيت لحم هي القصة التي عزاها كتاب التوراة لداود الملك ليلحقوا أصله بقبائل يهوذا. في التنافس مع قبيلة بنيامين التي خرج منها شاوول وملك بقوتها .
لقتال داود الملك لتأمين الطريق من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر ليس لنا مصدر إلا التوراة . ومن أقاصيص التوراة نفسها يمكن متابعة داود للوصول إلى طرف الطريق الشرقي مارين بعمان حتى البحر الأحمر حيث أصبح حيرام ملك صور المعاصر حليف داود قادراً على بناء سفنه.
كانت جبعون إحدى المدن الكنعانية ( اسمها اليوم الجب ) وهذه المدينة حاربها شاوول وقتل بعض أهلها غيلة. وكان لابد من تأمين جانب سكانها الكنعانيين لتأمين الطريق التجاري, وفي قصة التوراة أن السماء أمسكت عن المطر مدة ثلاث سنوات بسبب غضب الله, وعرف داود بواسطة المذبح بأن غضب الله متسبب من ذبح شاوول بعض رجال جبعون, فاتفق مع هؤلاء على أن يسلم لهم سبعة من أبناء شاوول الذين لم يكونوا قد هلكوا بعد, فسلمهم إياهم فقتلوهم وصلبوهم يوم الحصاد. وكان العادة أن لا يدفن الذين يقتلون بالثأر فرمى الكنعانيون جثثهم في البرية فأتت أم أحدهم ونصبت لها مظلة قرب الجثث لتطرد عنها طيور السماء وحيوان البرية, ومن يوم الحصاد إلى بدء موسم الزرع, كان أن أمطرت السماء لأن غضب الله ارتفع بهذه الفعلة الشنعاء التي وصل بها داود إلى غايتين: إرضاء الكنعانيين وهو حليفهم والمحافظة على طريق تجارة صور. وأفنى آخر من يمكن أن يهدده بالمطالبة بالملك من أبناء شاوول . ومرة أخرى يكرم داود الموتى بعد أن يقتلهم , فيأتي بعظام هؤلاء ويدفنها في قبر معد باحتفال لائق.
وتمكن الصداقة بين داود وصور لدرء خطر الفلسطينيين نهائياً ولرد غزوات الآراميين المسيطرين في ضواحي دمشق إلى البقاع والجليل الشمالي. وكان سفن صور تحمل ما يحتاجه داود من أنواع المعادن والذهب والعبيد, وتحمل ما يصل إلى صور من قمح البر وزيت زيتونه ومنتجاته الأخرى.
ودفع حيرام داود إلى القتال لتأمين الطريق إلى البحر الأحمر, وتأتي أخبار التوراة لتؤكد أن مدن بني عمون في الجنوب الشرقي من أورشليم في الطريق منها إلى البحر الأحمر, إن هذه المدن سقطت تحت سيف داود المعزز بحلف فينيقي كنعاني . وفي أخبار التوراة قصة عن حصار (( ربة )) ( عمان اليوم ) هي أبشع ما جمع من أقاصيص حول داود الملك في أورشليم, والقصة هي أن داود كان يتمشى على سطح مقره الذي بناه له عمال حيرام الصوري, فرأى امرأة في حمامها فأعجبته فأرسل وأتى بها, وعرف أنها امرأة أحد قادة المرتزقة في جيشه أوريا من جث , ومع هذا ضاجعها داود, وأرسل يستدعي زوجها , ولما مثل بيد يديه طلب منه أن يذهب ويبيت مع امرأته , فأبى أوريا الجثي المحارب أن ينام في بيته ورجاله في الخيام في حالة الحرب. وبات أمام دار الملك مع الجنود.. وتكرر الطلب ثلاث ليال وتكرر الرفض. فأرسل الملك كتاباً مع أوريا إلى قائد جيشه الأعلى يطلب فيه منه أن يقرب أوريا إلى أمام الأسوار في ربة حيث كان الحصار قائماً, ليقتل, وهكذا تم , وهزم جيش داود, وأرسل القائد ليعلمه بالهزيمة, وقال للرسول: إذا غضب الملك قل له أن عبدك أوريا الحثي قتل أيضاً . وبهذه الجريمة المزدوجة أصبحت أوريا امرأة للملك, وهي أم سليمان الذي ملك بعد داود. !
بعد تأمين الطريق من صور إلى البحر الأحمر كان لابد من تأمينها عبر البقاع وسهول دمشق, ومن سير الأمور في ذلك الزمان يستدل على أن الآراميين في مدن سورية المجوفة كانوا في قتال داخلي فيما بينهم مما فسح المجال للصوريين للتحالف مع آراميي دمشق والبقاع فأصبح الحلف يضم مملكة أورشليم ومملكة صور ومملكة الآراميين الذين في دمشق والجليل والبقاع الجنوبي.
وبهذه العملية الفذة عادت طرق التجارة الصورية إلى سابق عهدها, وأصبحت أورشليم ملتقى الطرق للتجارة بين البحر الأحمر وصور على المتوسط وبين الجنوب حتى مصر والشمال إلى الفرات . وهكذا ضمت هذه المدينة المقدسة إلى قداستها كونها ملتقى طرق التجارة, وفي هذا الازدهار خطر لداود أن يبني هيكلاً لليهود فتكون أورشليم قبلة القبائل حلفي إسرائيل ويهوذا , لكن الأمر لم يتم على يده هو وتم على يدي سليمان ( ابن الزنى من زوجة أوريا ) كما جاء في أساطير التوراة.
وكان عهد ازدهار أورشليم قصيراً لم يتجاوز السبعين سنة فالحروب التي شنها المصريون والحروب الداخلية التي قادها الآشوريون لتوحيد المملكة في سوريا كلها, هذه الحروب حفظت لأورشليم مركزها القداسي وحرمتها ومركزها التجاري . وبدأ التراجع فيها
لم تكن أورشليم إذاً حتى القرن العاشر قبل الميلاد قد قبلت غير الكنعانيين بين أسوارها, وإذا قبلت رجال القبائل الجنوبية فيما بعد فإنها لم تكن يوماً لليهود ولم يكن لهم فيها نصيب.
من صور إلى البحر الأحمر:
الأقاصيص عند داود مثل الأقاصيص عن موسى جمعت في التوراة اليهودية على دفعات, وكانت تستخدم للبرهنة على أمور يراها كتبتها واجبة الحدوث ويخشون إحداثها دون رجوع إلى تقليد مقدس. وليس الأمر غريباً في الحالات البدائية. وقد تنبه النبي العربي محمد إلى هذا الأمر فأمر المؤمنين بأن لا يأخذوا بما يجعلهم سبعين شيعة كما حصل للنصارى ولليهود.
وأقاصيص داود الملك على تناقضها وبعدها عن المنطق التاريخي تحتوي ما هو فاسد وقبيح. وقد مرت معنا قصة أوريا الجثي الذي دفعه داود للموت لكي يغطي قباحة لم تحصل لملك قبله أو بعده في مجمل البلاد, فكبر أوريا وعدم قبوله المبيت مع امرأته, وجنوده تحت الخيام في الحرب , لم يُعلّم داود , ولكن التوراة تجعل داود يندم فيعفي عنه يهوى ويمحو له أفظع إساءة , لأن كاتب القصة أراد أن يمحو ذنب داود لأن أوريا كنعاني وليس من القبائل, وبقيت هذه الفعلة الشنعاء في أساس السلوكية اليهودية عبر الأيام حتى يومنا هذا!.
أما قصة قتل أبناء شاؤول السبعة استدراراً للمطر فهي قصة موضوعة لتغطية ما كان ولا يزال متداولاً في مدن الكنعانيين عن الثأر الدموي من أبناء الملك الذي قتل من سكان المدينة غيلة ما جعل سكان جبع ( اسمها اليوم الجب ) وهم كنعانيون يعارضون في سيطرة داود يستخدمه الصوريون لحماية الطريق فمقتل أبناء شاؤول السبعة الذين سلمهم داود إلى سكان جبع كان ثمناً لإسكات هذه المدينة لأهمية مركزها في الطريق ( يلاحظ في عملية الصلب أمام الشمس أن هذه المدينة كانت من عبدة الشمس, والمجرم يصلب أمام الشمس من شروقها حتى الغروب.) وليس غريباً أن فعلة شاوول بأهل هذه المدينة كانت بتحريض من الصوريين فلا تبقى مدينة كنعانية مهيمنة على نقطة هامة من الطريق التجاري. فمثل هذا العمل أمن لداود عدم الإبقاء على وريث يطالب , وأمن له محالفة هذه المدينة المحصنة.
من مدينة داود ( المدينة التي ترجح أنها كانت مركز جيش المرتزقة المعد لحماية الطريق وكانت خارج أسوار أورشليم كما مر معنا ) من مدينة داود نجد أن داود الملك هذا يقاتل الموآبيين في مدنهم على طول الطريق شرقي البحر الميت إلى الجنوب. كما أنه قاتل العمونيين وعاصمتهم ((ربة)) ( عمان اليوم ) . وفي مهاجمة العمونيين قصة تسمع حتى اليوم في قصص القبائل البدائية. فقد أرسل داود رسلاً إلى حنون ملك العمونيين , فأمسك الملك حنون برسل داود وحلق لحاهم من جهة واحدة واللحية في البداوة هي عنوان الرجولة, كما أصبحت الشوارب عنوان الرجولة في الزمن الأخير قبل يومنا هذا, وهذه الإهانة كانت كافية لمقاتلة العمونيين, وفي حصار (ربة) قتل أرويا الجثي .
وفي إنهاء أمر العمونيين والأموريين في تلك المنطقة تأمن الطريق حتى البحر الأحمر لتجارة صور. وأصبح على آراميي دمشق أن يشقوا طريقهم عبر هذا الممر فلا تبور تجارتهم ولا تنتقل طريق التجارة البرية من شرقي سوريا والحجاز إلى الجنوب عن صوبة ( في حوران ) ودمشق. فجمع الآراميون في الجنوب جموعهم وهاجموا عبر الأردن الشرقي لتأمين طريقهم.
فعبر داود الأردن وهاجمهم فهزمهم وقتل عشرين ألف رجل وغنم سبعمائة مركبة حرب وقطع عراقيب خيولها ولم يبق إلا مائة رأس من الخيل فقط أعادها معه إلى أورشليم, هذا ما تقوله التوراة, وسنرى كيف سجلت التوراة نقيض هذا القول.
ولما عرف ملك دمشق لما حل بالآراميين جمع جيشه وهاجم داود فلم يفلح وانكسر أمام داود وقبل شروطاً للصلح أهمها عدم مساعدة الآراميين من بني عمون وموآب.
هذه القصص عن حروب داود لم يوجد ما يؤكدها ولم يثبت أن أسماء الملوك التي ذكرت في أقاصيص التوراة كانت أسماء الملوك الآراميين أيام داود في حوالي 1000 إلى 960 قبل الميلاد ومن الأثر التاريخي الأقرب إلى هذا الزمن هو ما سمي حجر موآب. سنرى أن عظمة داود وابنه سليمان كما جاءت في توراة اليهود لم تكن عظمة فعلية . فلم يذكرهما ميشع ملك موآب مع أنه ذكر ملوك إسرائيليين قبله.
قباحات يهودية:
قصص داود ( الملك في أورشليم ) الحربية متباينة متضاربة كلها في مجملها بعيدة عن منطق الحوادث الحربية المقبولة. ولم يقم عليها دليل واحد خارج التوراة, وذكر بعض المواضع وبعض الأسماء في التوراة إذا توافقت التسمية, لا يقرب الأقاصيص من الحقيقة التاريخية. وما وجد من آثار الآراميين يدل على أن كتبة التوراة ادعوا أموراً ثبت بطلانها بالمقارنة, ومهما حاول المؤرخون اليهود إسباغ قيمة تاريخية على كتابات التوراة فإن النصوص تفضح محاولاتهم.
وأهم هذه المفارقات نص التوراة على غلبة إسرائيل على آرام دمشق حتى الفرات . الأمر الذي نجد له نقصاً في التوراة نفسها في جعل ملك دمشق منافساً لسليمان طوال أيامه, ثم في أخبار حروب الآراميين مع قبائل إسرائيل بعد سليمان واستبعاد بعض هذه القبائل واستملاك مدنها ففي التوراة نفسها ما يؤكد أن دمشق كانت خصماً عنيداً لمملكة أورشليم وملوكها في الزمن الذي يدعي اليهود أن داود ( وهم يدعونه أيضاً ) قد تغلب على حدد عزر الدمشقي الآرامي.
ولكن قصص أيام داود الداخلية فهي أقاصيص قباحات أولها قصة قتل أوريا الجثي لتغطية عملية الزنى مع امرأته, التي هي أم سليمان ( سلمون حكمة الإله أون ) . ومنها أقاصيص التآمر على بيت شاوول وقتلهم وغسل اليد من دمهم كما مر معنا . ولعل أقبح ما في التسجيل هي أقاصيص التنافس بين أبناء الملك داود على العرش, قتل أبشالوم ثاني أولاد داود أخاه البكر أمنون, وكان للقتل قصة من صميم السلوكية اليهودية, أمنون أحب أخته ثامار أخت أبشالوم من أمه ونصح له عمه أخو أبيه داود ( لحكمته الفائقة ) أن يغتصبها , ففعل أمنون بأن تمارض وطلب إلى أبيه بأن يرسلها إليه لتخدمه, وبعد أن اغتصبها كرهها وطردها, وعلم أبشالوم, فقتل أخاه في مأدبة أقامها لإخوته بني الملك, وتآمر يوآب مع أبشالوم حتى صفح عنه أبوه بعد أن أصبح هو وريث العرش, وانتفض أبشالوم على أبيه, وفي قصة الانتفاضة دليل على أن القبائل كانت تكره داود, ومع كل ما أغدق كتبة التوراة والمؤرخون اليهود من نعوت على داود فأن مجرد إظهار أبشالوم اللطف للقبائل مالت معه. وأعلن أبشالوم نفسه ملكاً, فخرج يوآب على رأس المرتزقة, بعد أن هرب داود من أورشليم وقتل أبشالوم في المعركة, مع أن الملك كان قد أوصى بعدم التعرض له بأذى, ولعل هذه القصة أخذت مكان كان يدعى ( يد أبشالوم ) في وادي الملك, وليست القصة الوحيدة التي حاكها كتاب التوراة حول أسماء الأماكن التي كانت معروفة أيام كتابة التوراة بعد سبي بابل.
بعد مقتل البكر أمنون, والثاني أبشالوم أصبح أدونيا صاحب الحق بالملك ولي العهد وعمل ما هو حق ولي العهد, ولكن بتشبع أم سليمان زوجة أوريا الجثي المغدور تمكنت من تأمين شهادة ناثان النبي وصادوق الكاهن وياهو بن يهويا راع قائد المرتزقة على قول لم يقله لها داود وهو وعدها بأن يملك ولدها سلمون بعد أبيه, وكان داود حسب تسجيل التوراة قد شاخ جداً, وانهزم أمام هذا الادعاء وأمر بأن يملك سليمان, وهكذا أصبح سليمان ( سلمون ) ملكاً في أورشليم بدل أبيه, وركز ملكه على قتل إخوته أبناء الملك أصحاب الحق قبله في العرش, وقتل جميع الذين لم يتآمروا معه على إخوته.
خرافات:
سلمون يعني سلام –أون أي سلام وحلم وحكمة الإله أون. وهذا الاسم قلب حتى أصبح ( سليمان الحكيم ) . وما سجل عن سليمان أقرب إلى الأقاصيص الخرافية منه إلى أي معقول. وما نسب إليه ثبت عدم صحة نسبته وفيه التناقضات التي تفضحه .
طلب سليمان الحكمة فأعطيها, وكان زمنه زمن سلم فلم تحدث حروب ضد إسرائيل , واستتب له الملك على كل ما تملكه داود, وقد تبين فوق أن ادعاء السيطرة على دمشق وما يليها من الفرات كذبه تسجيل التوراة كما كذبته المكتشفات الحديثة, ولا يعدو أن يكون سليمان عميلاً للصوريين مثل أبيه, وادعاء بناء سفن له على البحر الأحمر لم يثبت لأن من خلفه على عرش أورشليم لم تذكر له سفن قطعاً, وما هو ثابت أن صور كانت القرن العاشر قبل الميلاد تبني سفناً لها في البحر الأحمر لتجارتها المزدهرة. وتقول التوراة أن سليمان صاهر فرعون مصر, ولم يأت تاريخ الفراعنة زمن سليمان على ذكر مصاهرة سليمان أو سواه من ملوك أورشليم, أما ما عزي إلى سليمان من قناطير الثروة من الذهب والفضة فتدل على نوع من التهويل اليهودي الذي نسمع به في يومنا هذا, ويكذب هذا الغنى الموهوم أن حيرام ملك صور بنى هيكلاً بسيطاً جداً لسليمان في أورشليم مقابل عشرين مدينة من ملكه أعطاها لحيرام أخيراً لقاء عمل عبيده في بناء الهيكل وثمناً لخشب الأرز. فالشراء الوهمي الذي ذكر لسليمان هو كالحكمة التي عزيت له. حتى إن الخديعة اليهودية تعزو لسليمان الحديث مع طيور السماء ومع حيوان البرية وسمك البحر. ولعل حاصل هذه الخديعة لا يزال سارياً حتى يومنا هذا, فالذي عجز عن بناء هيكل أورشليم ليهوى وهو أبسط بناء عرف وأبعده عن فن العمارة الراقي في ذلك الوقت , يعزى إليه على لسان العامة بناء تدمر إحدى أعاجيب الدنيا في البناء السوري الفن والعظمة.
ويعزى إلى سليمان كتاب الجامعة في التوراة, وكتاب نشيد الإنسان وكتاب الأمثال, وقد ظهر أن هذه الكتب منتحلة من أصول لم تكل للقبائل الجنوبية بل عرفها الكتبة بعد السبي , ثم ادعاها اليهود فيما ادعوه من تاريخ قبائل الجنوب وليس لهم فيه أي نصيب على الإطلاق.
ومن براهين الحكمة عند سليمان فصله في دعوى جنائية وجدت أصولها في المكتشفات السورية الحديثة وتعود إلى ما قبل زمن سليمان بقرون, والدعوى هي بين امرأتين ولدتا في زمن واحد وفي بيت واحد, وحدث أن إحداهما نامت على طفلها فقتلته ثم استبدلته بطفل جارتها الراقدة إلى جانبها . وعرض الأمر على سليمان وكل من الامرأتين تدعي أن الطفل لها,وعجز سليمان عن معرفة الحقيقة, فأمر الجلاد بأن يشطر الطفل الحي إلى شطرين ويعطي كلاً من الامرأتين شطراً منه , قالت المرأة السارقة اشطروه أما أمه فصاحت أبقوا على الطفل وأعطوه لها . وهكذا عرف سليمان أم الطفل الحقيقية وأعاد طفلها إليها...
هذه هي الشهادة الوحيدة على حكمة سليمان وعدله. والقصة مأخوذة من رسم قديم وجد في المكتشفات الأرضية القديمة, وفي رأينا أن الفكرة الأصلية تمثل الرسم المكتشف والرامز إلى جلاد يحمل طفلاً يهم بشطره, وأمامه امرأتان إحداهما تنظر بغطرسة ولا مبالاة في حين تنحني الأخرى والأسى في وجهها, في رأينا أن فكرة الرسم هي الأمومة لا عدالة الملك أو الجلاد. فالأم يملأ الأسى قلبها لأذية الطفل. والأمومة تشع حناناً على الطفولة. والمرأة التي قد خلا قلبها من نعمة الأمومة تنظر بصلف إلى الأذية في الطفل, وليست هذه الفكرة الأصلية هي الوحيدة التي مسخها الكتبة في العصر المتأخر وادعاها اليهود , فقد مر معنا كثير من الأمثال. فلكل مكان اسم حاكوا حوله أقاصيص بدائية قدسوها, ولكل أسطورة أو فكرة وصلت لهم نوع من المسخ البدائي.
أما كتب الجامعة ونشيد الإنشاد فهي بعيدة عن البداوة وعن سليمان ملك أورشليم في مدلولاتها ومبناها . ولمحب التعمق في هذا الأمر مراجع عديدة أهمها التوراة نفسها في المقارنة تبرز المتناقضات والمفارقات.
إن الأقاصيص حول سليمان مثل الأقاصيص حول داود: مجموعات متنافرة عزيت في الزمن المتأخر إلى هذين الاسمين اللذين لم يوجد لهما أي ذكر فيما اكتشف من مرتكزات التاريخ في الزمن الذي يقال أنهما وجدا فيه؟!
إن قيام الصهيونية في القرن التاسع عشر جعل الخديعة اليهودية التي لبستها المسيحية طوال عدة قرون ولم ينج منها الإسلام في العالم, تتعمق وتتضخم بما حيك حولها من تفسيرات ومن ادعاءات متجددة بالمقارنة مع ما كشفت عنه أرضنا من أصول ما انتحلته اليهودية وادعته ومن حوادث مسجلة تكذب هذه الانتحالات والادعاءات .
هيكل أورشليم:
يقول هـ . ج ولز في كتابه الملخص للتاريخ العام أن هيكل سليمان الذي جاء ذكره في التوراة ليس أضخم من كنيسة عادية في إحدى مدننا الصغيرة. ويذهب بعض مؤرخي التوراة إلى القول بأن مكان الهيكل الذي بناه سليمان أو الذي عزي إلى سليمان بناؤه, ليس معروفاً بالضبط في حين يرى آخرون بأن الهيكل القديم بني في مكان الهيكل المعروف في عهد اليونان والرومان, والذي يقوم عليه الآن المسجد الأقصى, ومنهم من يرى أن مكان تابوت العهد كان في ظل المكان المعروف بقبة الصخرة في المسجد الأقصى.
ليس ما يعنينا الآن البحث في ترميمات أو إعادة بناء هذا الهيكل بعد سبي بابل , إن ما يعنينا ما جاء في التوراة عن هذا الهيكل, ولهذا نأخذ التوراة مرجعاً رئيسياً لهذا البحث.
لم تذكر التوراة هيكلاً يبوسياً قبل بناء هيكل سليمان, فاليبوسيون كانوا من عبدة النار الأزلية الشمس ( شمش) وسنرى أن آراميي الجنوب كانوا يعبدون الشمس ويوقدون على المشارف, ونرى في التوراة في أسفار صموئيل الثاني والملوك وأخبار الأيام, أن تقاليد الإيقاد على المشارف استمرت في مجمل قبائل الجنوب, وسجلت التوراة عدة مذابح بنيت على المشارف والقمم, عادة سكان الهلال الخصيب في العهد التوراتي.
إن مواصفات هيكل سليمان كما جاءت في التوراة تدل على أمرين, أن قبائل الجنوب كانت متأخرة إلى حد أوجب اللجوء معه إلى بناة كنعانيين لبناء الهيكل, وإن كتبة مواصفات الهيكل على تناقض ما كاتبوا بالغوا في الغلو في غنى سليمان وهيكل سليمان. وإن كتبة تاريخ الهيكل اختلفوا في إرجاع الفضل في تحضير ما احتاج إليه الهيكل من مواد للبناء, فمنهم من أكد أن الفضل فيه لداود. ومنهم من عزاه إلى سليمان بن داود, ونحن نثبت هنا نص ما جاء في التوراة عن الهيكل.
(( وكان لما سكن داود في بيته قال لناثان النبي هاأنذا سكان في بيت من أرز وتابوت عهد الرب تحت شقق, ولكن الرب يؤكد بأنه يسير مع القبائل في الخيمة وأبى أن يبني له داود بيتاً
وكان أن داود أمر بإحصاء إسرائيل فإذا بعددهم حوالي مليون ونصف من حملة السيوف, وحمي غضب الرب فضرب إسرائيل, وتوقف ملاك الرب الضارب عند بيدر أرنان اليبوسي خارج أورشليم , وهناك بنى داود مذبحاً للرب وذبح لأنه خاف أن يأتي جبعون ليذبح للرب.
وقال داود هذا بيت الرب الإله وهذا هو مذبح المحرقة لإسرائيل ولجميع الأجنبيين في أرض إسرائيل وأقام نحاتين لنحت حجارة مربعة لبيت الرب, وهيأ داود حديداً كثيرة ومسامير, ونحاساً كثيراً بلا وزن وخشب أرز لأن الصوريين والصديونيين أتوا بخشب أرز كثير إلى داود.
وقال داود لابنه سليمان هاأنذا في مذلتي هيأت لبيت الرب ذهباً مئة ألف وزنة وفضة مئة ألف وزنة ونحاساً وحديداً بلا وزن وقد هيأت خشباً وحجارة.
وقال داود لسليمان ابنه انظر الآن لأن الرب قد اختارك لتبني بيتاً للمقدس فتشدد واعمل.. وأعطى داود سليمان ابنه مثال الرواق وبيوته وخزائنه وعلاليه ومخادعه... ومثال كل ما كان عنده بالروح لديار بيت الرب.. وأعطاه ما يلزم للبناء, فمن الذهب بالوزن لما هو من ذهب , ومن الفضة لما هو من فضة .. الخ.
وقال داود لكل مجمع إسرائيل وأنا بكل قوتي هيأت لبيت إلهي الذهب لما هو من ذهب والفضة لما هو من فضة..الخ.
وأمر سليمان بناء بيت لاسم الرب .. وأحصى سليمان سبعين ألف رجل حمال وثمانين ألف رجل نحاة ووكلاء عليهم وأرسل سليمان رسلاً إلى حيرام ملك صور قائلاً كما فعلت مع داود أبي إذ أرسلت له أرزاً ليبني بيتاً يسكن فيه فهاأنذا أبني بيتاً لاسم الرب إلهي لأقدسه له. فالآن أرسل لي رجلاً حكيماً في صناعة الذهب والفضة والنحاس.. ماهراً في النقش وأرسل لي خشب أرز وسرو.. وأنا أعطي للقطاعين قاطعي الخشب عشرين ألف كر من الحنطة طعاماً لعبيدك وعشرين ألف كر شعير وعشرين ألف بث خمر وعشرين ألف بث زبيب.
... وكان عهد بين حيرام ملك صور وبين سليمان كما كان مع داود أبيه وقطع كلاهما عهداً.
وأرسل حيرام ملك صور الصناع والبنائين إلى أورشليم ومنهم حيرام أبي رجل صوري ماهر في صناعة الذهب والفضة والنحاس والحديد والحجارة والخشب والأرجوان . وكان البيت الذي بناه سليمان للرب ستين ذراعاً طولاً ( 45 متراً ) وعرضه عشرين ذراعاً ( 15) متر وسمكه ( علوه ) ثلاثين ذراعاً كان البيت من حجارة غشاها من الداخل بعوارض من خشب الأرز وغشى الخشب بالذهب. وصنع كل ما يحتاجه الهيكل بالذهب الخالص. صنعه كله عبيد حيرام ملك صور والحكيم حيرام أبي الصوري وكان حول البيت رواقان على أعمدة عرضها عرض البيت 40 ذراعاً. وأنهى البناء في سبع سنين وأعطى لملك صور عشرين مدينة أجر العمل.
وصنع عامودين أوقفهما أمام الهيكل الأيمن واسمه ياكين والأيسر اسمه بوعز
هذا هو البيت الذي بناه الصوريون في زمن كان لهم فيه ملك في أورشليم مدينة اليبوسيين الكنعانيين عبدة الله العلي على اسم صدوق أي النار الأزلية. ولعل ملكي صادق كاهن الله العلي أيام إبراهيم التوراة لعل ملكي صادق تعني مملوك الإله شمس أي النار الأزلية صدوق.
وهذا هو البيت الذي يدعي كتبة التوراة أن مثاله جاء بالروح من رحلة إلى أورشليم السماوية. ويبقى الحديث حول هذا البيت طوال ستة عشر قرناً من القرن الثالث بعد الميلاد منذ أن أعلن الإمبراطور قسطنطين المسيحية مذهباً للإمبراطورية الرومانية بقي الحديث حديث تقديس له, أنه من السماء من عند الله في هندسته ووحي بناءه.
وتأتي الحفريات الحديثة لتجد أن هندسة الهيكل وصناعته هي من وضع بناة الهياكل وهم فرق من الكنعانيين كانت مكرسة لبناء الهياكل.
ومن المقارنة للمفارقات والمتناقضات التي سجلت في التوراة, نرى أن تكرر الحفز والتحريض لأبناء أمتنا ولحكوماتنا على الانصباب على درس هذه الأمور الخطيرة التي هي في أساس (( مبررات وجود إسرائيل اللامبررة ))
إن بناة الهياكل الكنعانيين بنو هيكل أورشليم, ولا يستبعد أن يكون قد بني على اسم الإله أون. ودعي هيكل سلامون أي حكمة الإله أون وسلامه. وكان بناء الهيكل في زمن داود أو أحد الذين ملكوا بعده من أولاده في بداية الألف الأول قبل المسيح. ومن اسم الهيكل أخذ كتبة التوراة بعد حوالي خمسمائة سنة قصة سليمان ابن داود باني الهيكل. ولعلهم حرفوا اسم الملك حيرام الصوري الذي بني الهيكل في زمانه بعد أن أمن طريق تجارة صور إلى البحر الأحمر لعلهم حوروا اسم حيرام أب إلى حورام أبي ليجعلوا حورام أبي صانعاً ماهراً صنع في سبع سنوات من النقوش المذكورة في الهيكل ما يعجز عنه عشرات بل مئات الفنانين .
يقول مارت نوت في كتابه تاريخ إسرائيل في بحثه (( ملك سليمان )) أن الهيكل بني وفقاً لما كان عليه بناء البيوت المقدسة الكنعانية, ونقل عن موهلنبرتك في كتاب هيكل سليمان, أن الهيكل بني وقفاً لما كان معروفاً في بقاع الأرض التوراتية (( سورية وفلسطين )) منذ عهد سابق جداً لعهد سليمان. وإن الهيكل يحتوي على بعض ما عرف في هياكل آشور ومصر. ومتى عرفنا أثر الهكسوس في مصر يتضح أن مثال الهيكل لم يكن في أورشليم السماوية بل كان في الفن السوري القديم.
جاء في التوراة أن سليمان بنى مدناً لمركباته أيضاً. ويأخذ مؤرخو التوراة من اليهود والمكتشفات الحديثة للبرهنة على صحة ما جاء في الكتابات التوراتية عن سليمان , ومن الرجوع إلى التوراة في آخر فصول سفر صموئيل الثاني وأول فصول أخبار الأيام والملوك الأول نجد أن ملوك القبائل شاؤول وداود وأولاد داود لم يكونوا ليركبوا المركبات . فأبشالوم ركب بغلة في القتال ! وكذلك داود. ولم يذكر أنهما ركبا المركبات , وذكر المركبات عند الموآبيين والآراميين الرحل الذي قيل أن داود حاربهم يدل على أن المركبات كانت مستأجرة من مدن مورابيين شمالي دمشق وما يليها . والمركبات هي أمر جديد في عهد سليمان حليف صور, ولعل صور زودته بمركبات للمرتزقة الذين كانوا يحمون الطرقات في أنحاء الأرض التي انتشرت فيها القبائل لمنع السلب القبلي ولصد الفلسطينيين نهائياً عن طرق المواصلات.
لم يطل عهد ازدهار أورشليم, فقد أقام الله خصمين لسليمان كما جاء في ما سبق وسلط عليه يربعام ابن نباط الذي كان على السخرة وأثاره أن يسخر الإسرائيليون لبناء قصور الملك وسراريه كما جاء في التوراة.
وما كاد سليمان الحكيم ينضم إلى أجداده حتى برزت نتائج حكمته في إدارة الملك الذي شدده في الصوريون. ونجد في التوراة نفياً للحشد المتأخر الذي أكد أن سليمان, لحكمته سخر الأجنبيين في مملكته ولم يسخر القبائل, ونجد أيضاً نفياً لما سجل أن سليمان كان موعوداً من الله ليملك إلى الأبد في أورشليم ولعل ذكر لبنان في الإصحاح الثامن من أخبار الأيام الثاني هو ما جعل اليهود يسمون لبنان ( لبنانهم ) ففي هذا الإصحاح جاء . (( وكل مرغوب سليمان الذي رغب أن يبنيه في أورشليم وفي لبنان وفي كل أرض سلطانه)) ذكر لبنان هنا يتخذه اليهود دليلاً على امتداد سلطان سليمان على لبنان , ولعل اسم (( وعر لبنان )) أطلق على أحد قصور أورشليم هو الذي جعل الكتبة يمدون سلطان عملاء صور إلى لبنان كما مدوه إلى حماه بسبب قول : بأن ملك حماه أرسل هدايا إلى سليمان وإلى داود أبيه.
هرب يربعام ابن نباط إلى مصر بعد رفعه يده على سليمان بسبب السخرة على إسرائيل, لم يهرب إلى دمشق أو صور لأن صور كانت مدعمة لسليمان. ودمشق في حالة نزاع (( عائلي )) مع الآراميين في ما يليها نحو الشمال ( كتاب الآراميون – ومصر ) . ولما سمع يربعام أن سليمان قد مات عاد من مصر إلى إسرائيل. وذهب يربعام وكل إسرائيل إلى رحبعام إلى شكيم حيث ذهب رحبعام ابن سليمان ليملك.
وكلم إسرائيل رحبعام قائلين: (( إن أباك سليمان قسى زيرنا فالآن خفف من عبودية أبيك القاسية ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك... فأجابهم الملك بقسوة قائلاً: أبي ثقل نيركم وأنا أزيد عليه. أبي أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب.. إن خنصري أغلظ من متن أبي... )) وهكذا انشقت عشرة أسباط عن رحبعام ابن سليمان الحكيم, وقامت مملكة إسرائيل في الشمال, وبنى عمري السامرة عاصمة لملكه, ومنع ملوك إسرائيل الشعب من الذهاب إلى مدينة أورشليم.
وجاء في سفر الملوك الأول الإصحاح 11 لم يكن قلب سليمان مع الرب كقلب أبيه. فصنع مرتفعات لآلهة سكان الأرض من أجل نسائه الكثيرات.
وأقام الرب خصماً لسليمان هدد الآدومي .. وأقام الله خصماً آخر لسليمان روزن ( أورزين ) الذي هرب من هدد عزر ملك صوبة وجمع إليه رجالاً ( وأصبح داود أي قائد مرتزقة ) وملك في دمشق وكان هدد خصماً لإسرائيل كل أيام سليمان مع شر هدد. فكره إسرائيل وملك على آرام.
ويربعام بن نباط أفرائيمي من حردة. رفع يده على سليمان وكان لما خرج يربعام من أورشليم لاقاه أخيا الشيلوني النبي في الطريق وهو لابس رداء جديداً وهما وحدهما في الحقل, فقبض أخيا النبي على الرداء الجديد الذي عليه ومزقه اثنتي عشر قطعة. وقال يربعام خذ لنفسك عشر قطع لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل ( وليس إله يهوذا ) (( هاأنذا أمزق المملكة من يد سليمان وأعطيك عشر أسباط ويكون سبط واحد .. )) .
ومثل هذه المتناقضات كثيرة في أسفار التوراة.
أما هدد عزر ملك دمشق فنرى صحة ما جاء عنه في الآراميون والتاريخ ومما يلاحظ في التوراة تسمية كل ملك آرامي حارب أو حالف قبائل إسرائيلية بهدد ولعل ذلك يعون إلى كون إله دمشق هدد ( أو القصف من الرعد القاصف ) والقول كان هدد هذا خصماً لإسرائيل كل أيام سليمان (( مع شر هدد )) يجعلنا نعزو صفة الشر إلى إله آرام دمشق وما يليها.
حجر موآب :
في ديبان على بعد 4 كيلومترات شمال نهر أرنون وجد عام 1868 حجر موآب وكان المصدر التاريخي الوحيد الذي وجدت فيه معلومات عن إسرائيل كما وردت في التوراة . مكتوب باللهجة الآرامية الجنوبية التي سميت بالعبرية وادعاها اليهود على أنها لغة القبائل التي ادعوا تاريخها, وجد النصب الموآبي محطماً لكن بجمع الجزء الكبير منه وجد أنه مرجع للمهمين بدراسة (( أخبار التوراة )) وترجمه الدكتور كوك في كتاب تراث إسرائيل عام 1948 وعن كتاب الحضارة الفينيقية ج. كونتونو 1949 ومن المقارنة مع ما ذكرته التوراة حول أسماء المدن والحوادث لم يذكر داود و سلمون ( سليمان ) ومملكة أورشليم . مع العلم أن عهد اللقية قريبة جداً إلى عهد ( دواد- سليمان ) حوالي 95 سنة ولا يستبعد أن يكون هذا الحجر وأشباهه من النصب قد أتلفت نهائياً (( أو لم تكتشف )) وإلى جانب الفلكلور الشعبي والقصص الشعبية هي المصدر الذي غذت كتب الأسفار التي صنعت منها التوراة .
أنا ميشع ابن شمش ملك موآب الديبوني لقد ملك أبي على موآب 30 عاماً, وأنا ملكت بعد أبي وأنا بنيت معبداً للشمش (( الإله شمش أي الشمس )) إله النور الأزلي والحرارة المحييّة , مرتفع الخلاص لأنه أنقذني من الذين هاجموني ولأنه جعلني أرى فرحاً على جميع الذين أبغضوني " المزمور 118 الموضوع على لسان داود " كان عمري ملكاً على إسرائيل وقد ضايق موآب كثيراً لأن الإله شمش حامي الغضب على أرضه وملك ابن عمري آخاب بعد والده وقال أيضاً سأضايق موآب في أيامي قال هذا القول ولكن رأيت مسرة عليه وعلى بيته وأفنيت إسرائيل وأصبتها بخراب أبدي .
لقد تملك مادبا وسكن هناك طوال أيامه ونصف عدد عمر ولده أربعون سنة وقد أعاد شمش هذه الأرض في أيامي أنا . لقد بنيت بعمل المؤن وصنعت فيها خزان المياه الكبير, وبنيت قريتين لقد سكن جاد في عطاروت منذ القدم وبنى ملك إسرائيل عطاروت لنفسه وأنا حاربت المدينة وأخذتها وأبسلت جميع سكان المدينة ذبيحة حية لشمش موآب ثم استوليت على مذبح دوده وجلبته إلى مذبح شمش في قريوت وأسكنت هناك رجال شارون ورجال مكرات وقال لي الإله شمش اخرج وخذ نبو من إسرائيل فخرجت ليلاً وحاربتها منذ بزوغ الفجر وحتى الظهيرة . واستوليت عليها وأبسلت جميع سكانها الرجال والنساء, سبعماية نسمة لأنني قد نذرتها تقدمة لعشيرة شمش واستوليت على أواني مذبح يهوه وجلبتها أمام شمش " كان ملك إسرائيل قد بنى ياهص حين شن حربه علي وقد طرده شمش من أمام وجهي " وأخذت جميع رؤساء موآب 200 رجل وخرجت بهم على ياهص وأخذتها وضممتها إلى ديبون ." " بنيت الكرخ وبنيت أسوار البرية وأسوار المصاعد وبنيت أبوابها وبنيت بروجها وبنيت بيت الملك وصنعت خزاني ماء كبيرين وسط المدينة لم يكن هناك خزانات مياه في الكرخ ، فخاطبت جميع السكان قائلاً ليبني كل واحد منهم خزان مياه في بيته وقد حفرت الخندق في الكرخ بتشغيل الأسرى الإسرائيليين
بنيت عرو عير , وشققت الطريق بمحاذاة أرنون , بنيت بيت ياموت لأنها كانت خربة وبنيت بيسر لأنها خراباً اصبحت .
" ثمانون رئيساً كان ديبون كلهما مخضعون طائعون وقد ملك على مائة رئيس مدن ضممتها إلى ملكي "
" بنيت مادبا وبيت دبلتان وبيت بعل مأون وأخذت بعد إذن أصحاب قطعان الغنم <البقية مفقودة هنا > "
" وفي حرونين كان يسكن < مفقود > وقال لي شمش اخرج على حرونين فخرجت وقد دفعها شمش على يدي في أيامي
< بقية الحجر مفقودة > "
يعود هذا الحجر إلى أوائل القرن التاسع قبل الميلاد 870-850 قبل الميلاد . وبالمقارنة مع التوراة نجد أن كتبة الأسفار التوراتية اعتمدوا قصص شعبية كانت تدور حول أسماء الأمكنة فصنعوا لكل مكان قصة ونجد في الفلكلور الشعبي الموروث هناك الافتخار والمجد والتنافس الذي جعل الكتبة يحورون الأسفار فما صنعه موآب ضد أفراييم " قلب " فأصبح صنيع إسرائيل ضد موآب
1- في المقارنة جاء ذكر ميشع في سفر الملوك2 ف3 والمقارنة نسجل ما جاء في هذا الفصل الثاني قلب الأمر رأساً على عقب .
جاء في التوراة " وكان ميشع ملك موآب صاحب مواش فأدى ملك إسرائيل مئة خاروف ومئة ألف كبش بصوفها . وخرج الملك بهورام ابن آخاب " ابن عمرى " خرج من السامرة وعد كل إسرائيل وذهب وأسرى إلى يهو شافاط ملك يهوذا, يقود قد عصى علي ملك موآب , فهل تذهب معي إلى موآب للحرب فقال : اصعد , مثلي مثلك وخيلي خيلك " لم تذكر المركبات مع أنها كانت خيالية العدد والعدة في أقصوصة سليمان " فقال من أي طريق نصعد فقال : من طريقة برية آدوم فذهب ملك إسرائيل وملك يهوذا وملك آدوم وداروا مسيرة سبعة أيام . ولم يكن مياه للجيش وللبهائم التي تبعتهم فقال ملك إسرائيل: آه عل الرب قد دعى هؤلاء الثلاث ملوك ليدفعهم ليد موآب " يبدو أن القصة أن ملك إسرائيل شعر بخطر موآب بهذا القول " إلا أن كاتباً من حلف يهوذا رأى أن الوقوف عند هذا الحد لا يفي فاستمر التسجيل على الشكل التالي :
فقال يهو شافاط ملك يهوذا : أليس هنا نبي للرب فنسأل الرب فأجاب واحد من عبيد ملك إسرائيل وقال: هنا إليشع من شافاط الذي كان يصب الماء على يدي إيليا فقال يهو شافاط: عنده كلام الرب .
فنزل ملك شافاط وملك إسرائيل وملك آدوم , فقال إليشع لملك إسرائيل مالي ولك . أذهب إلى أنبياء أبيك وأنبياء أمك " ملوك إسرائيل كانوا قد صنعوا أنصاباً لبعل في ذلك الزمن منذ سليمان كما جاء في التوراة أي أنهم كانوا قد تركوا العهد مع قبائل يهوذا على اسم يهوه " فقال له ملك إسرائيل كلا لأن الرب قد دعى هؤلاء الثلاثة الملوك ليدفعهم إلى يد موآب " كان لابد من أن يكون كلام يهوى على لسان إليشع لأن الملوك كانوا في أرض تخص يهوى في الجنوب الشرقي من أورشليم فقال إليشع حي هو رب الجنود يهوى – يا- وي –إيل . أي قوة إيل المحاربة = ترجمت " رب القوات ورب الجنود الخ . " أما لولا أني رافع وجه يهو شافاط ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك. والآن فأتوني بعواد. ولما ضرب العواد بالعود كان عليه يد الرب , فقال هكذا قال الرب إجعل هذا الوادي جباباً جباباً . لأنه هكذا قال الرب لا ترون ريحاً ولا ترون مطراً هذا الوادي يمتلئ ماء فتشربون أنتم وماشيتكم وبهائمكم وذلك يسير في عيني الرب . فيدفع موآب إلى أيديكم فتضربون كل مدينة محصنة وكل مدينة مختارة وتقطعون كل شجرة طيبة وتطمون كل عيون الماء وتفسدون كل حقل جيد بالحجارة .
وفي الصباح عند أصعاد التقدمة إذا مياه آتية من طريق آدوم فامتلأت الأرض ماء . ولما سمع الموآبيين أن الملوك قد صعدوا لمحاربتهم جمعوا كل متقلدي السلاح فما فوق ووقفوا وبكروا صباحاً , والشمس أشرقت على المياه ورأى الموآبيون مقابلتهم المياه حمراء كالدم. فقالوا هذا دم قد تحارب الملوك وضرب بعضهم بعضاً والآن فإلى النهب يا موآب فأتوا إلى محلة إسرائيل فقام إسرائيل وضرب الموآبيين فهربوا من أمامهم ودخلوها وهم يضربون الموآبيين " لا ذكر لآدوم ويهوذا في الضرب " وهدموا المدن وكان كل واحد يلقي حجراً في كل حقل جيداً حتى ملؤها وطموا جميع عيون الماء وقطعوا كل شجرة طيبة ولكنهم أبقوا قبر حارسة حجارتها واستدار أصحاب المقاليع وضربوها ولما رأى ملك موآب أن الحرب قد اشتدت عليه سبع ماية رجل مستلي السيوف لكي يشقوا إلى آدوم فأخذ ملك موآب ابنه البكر الذي كان ملكاً عوضاً عنه وأصعده محرقة على السور فكان غيظاً عظيم في إسرائيل فانصرفوا عنه ورجعوا إلى أرضهم .
مع المقارنة السريعة بين ما دون في حجر موآب في حينه وحول ما جاء في هذا السفر من التوراة حول عصيان ميشع ومحاربة إسرائيل نجد أن سفر التوراة مجموعة أخبار متضاربة. ونجد أن حجر موآب ذكر المدن وكرر لحمو غضب الرب على شعبه وأرضهم فيدفعهم إلى أيدي مضايقيهم حتى يعرفوا مقدرة الرب ربهم ومالك أرضهم. ويرجعون إليه فيقاتل معهم ويأمرهم بالخروج إلى الحرب. ويقاتل أمامهم بالأعاجب ومنها أن يملاً الوادي ماء فيأتي من جهة آدوم وليس فيها عين ماء أو مطر
2- أتى ذكر مادبا في سفر العدد حين كان موسى يقود إسرائيل ف21 فق 29 " ويل لك يا موآب هلكتي يا أمة كموش قد صير بنيه هاربين وبناته في السبي لملك الأموريين سيحون لكن قد رميناهم, هلكت حشبون إلى ديبون وأخربنا إلى نوفخ التي إلى مادبا . واضح أن هذا القول قاله آموري في التنابز بين القبائل واصطنعه كتاب التوراة لموسى ومن كان معه ولعل ذكر مادبا لم يكن فيه الأصل وقد زيت في التسجيل مؤخراً بعد بناء مادبا اليوم ولا نجد ذكر داود أو سليمان أو يربعام وسواهم من الملوك ما عدا عمري في التوراة , وقد بقيت مملكة إسرائيل في اسم عمري حتى آخر القرن التاسع فذكرها هدد نيراري الثالث في جملة الممالك التي أخضعها . وجاء ذكر بعل ماؤون في التوراة في سفر يشوع ف13 عد 15 وأعطى موسى سبط راوبين حسب عشائرهم فكان تخمهم من عرو عير التي على حافة وادي أرنون والمدينة التي وسط الوادي كل السهل على مابا, حشبون وجميع مدنها التي في السهل ديبون " عاصمة موآب" وباموت بعل وبيت بعل معون . جاء ذكر القريتين في سفر العدد ف32 وبنى بنو راوبين حشبون والعالة وقريتايم . انظر كيف ورد من قبل أن موسى أعطى حشبون وكيف بنى راوبين حشبون ثم قارن كيف بنى ميشع قرياتيم والقول بأن ميشع قلب إلى موسى في التوراة بعد مئات السنين من الأحداث
3- جاء ذكر أتاروت أو عطاروت في سفر العدد ف32 فأعطى موسى بني جاد وراؤبين ونصف سبط منسي مملك سيحون ومملك عوج وملك باشان مع مدنها . فبنى بنو جاد عاطاروت وعرو عير وجاء في حجر موآب أن ملك إسرائيل بنى عطاروت لنفسه ومن الجلي أن جاد عشيرة تعبد دودو وليس يهوى . وذكر جاد في حلف إسرائيل جاء متأخراً ولعل ملك إسرائيل الذي ضايق موآب هو الذي بنى عطاروت كما بنى ياهص لوضع حاميته في الأرض.
وإبسال السكان جملة ذبيحة حية لله كثيرة جداً في توراة اليهود جر المذابح أو سحبها أو جلبها أما وجه الإله . مسألة اشترك فيها جميع المحاربين في ذلك الحين.
فالشعب المنتصر يحارب مع إلهه ويهزم الشعب الآخر وإلهه لكن الشعب المهزوم يأبى أن يغلب إلهه فيعزوا الغلبة إلى غضب الإله عليه . وبالمقارنة مع ما كان يغضب اليهود وصوروه على مثالهم الخلقي وبين ما كان يغضب آلهة القبائل الأخرى.
4- جاء ذكر شارون في سفر أخبار الأيام ف5 عن بني راوبين أنهم سكنوا جميع مسارح شارون وهؤلاء انتسبوا في أيام الملك يهوذا وفي أيام يربعام ملك إسرائيل والانتساب هناك يرجع إلى يعقوب إيل حلف إسرائيل في ذلك الزمان .